حاولت أن أقطع أصابعي كي لا ترقص على الحرف الآن دون جدوى، لأني أختنق من كم المشاعر التي أخبئها في الصندوق. ولست أكتب لأي هدف، هو ذا الشيء الوحيد الذي أستطيع فعله الآن وأنا أنتفض بين جدران البيت كطائر جريح لا يسعه شيئا. دون قصد أجد أني أقيس دقات قلبك حين أقرأ كلماتك، أقيس سرعة جريان الدم في شريانك، أقيس كثافة الأكسجين في هوائك، أقيس سرعة ارتجاف جسدك، أعد قطرات العرق وأطياف الدموع التي تلوح منك. ويبدو قاسيا جدا علي أن لا يكون بوسعي رفع المنديل ومسح العرق عن جبينك، يبدو قاسيا أن لا أمسك يديك المرتعشتين عسا شيئا من البرد يفر، يبدو قاسيا جدا أن أتنفس في حين تختنق وأن لا أستطيع الآن أن أمنحك رئتي وآخذ عنك رئتك، يبدو قاسيا جدا أن لا أستطيع الصلاة قربك ليدرك الرب أن لدى كل قلب كعبته ولكل روح حجها وفي كل قلب محب أمل شديد كون رب الكعبة يحميها حقا وينقذها. إنني الآن أشبه ما يكون بالأم الواقفة خلف البلور، تشاهد طفلها الصغير يئن، تبحث داخل لحمها عن دواء وفي قلبها إيمان لا يكل بأن الأمور ستتخذ مسارها الجميل بعد بضع ثوان فقط، وحين تتراكم الثواني لتغدو دقائق، فإنها تبكي وتعتقد أن دموع الوالدات ترياق ينقذ الأبناء دوما فإن لم يكن ترياقا فحبهن الذي يراه الله خالصا لابد وأن يكفي لكي يغير القدر سريعا ويتنفس الطفل دون ألم. إنني أتعب جدا من الجلوس قرب الباب والانتظار دون أن أحاول الطرق، تعتقد أني أمضي داخل الحياة لكني أقف هناك أجس حركات الباب وأراقب الظلال التي تلوح وتهرب. داخل رأسي أنت تتلوى طوال الليل على اللحاف المصفر وداخل قلبي تمسك فمك بشدة وتبكي خلسة، وأنا منذ انبلاج الفجر حتى انطفاء الليل أفكر بك، أصنع وجها لامباليا أمامك وخلف الجدار لا تمر الليلة أبدا، أقضيها في العراء أمام الله، أبحث في أشيائي عن كل ما يمكن أن أقايضه به وأتفق معه حول الرهانات، يهمني أن تعيش فقط وأن لا تكتب عن الموت حرفا وأن لا أضطر إلى تجاهل عبارات الفناء التي تدسها في نصوصك كي لا نغرق في الوجع. أريد أن تتنفس أيضا، أريد أن تضحك حتى يتمزق وجهك، وأن يدق قلبك سريعا من شدة الفرح وأن تنام دون انقطاع. إن كنت لن أستطيع أن أغير من هذا المشهد شيئا فدعني إذا أئن معك، ترتعش أناملي كأوراق خريف تواجه عاصفة، ينقبض صدري حتى تتفجر جدرانه، أختنق -كأني أموت- بقربك، دعني أقاسمك الخوف والتراجيديات المرعبة ودعني أبكي حتى أفقد عيني، هذا الألم أشد أمانا من المضي قدما في سبل ملونة في حين تستلقي أنت في الغرفة المظلمة. ظلال الغرفة المظلمة أحب إلى قلبي من أطياف قوس قزح البعيدة وإني أفضل أن أعجز عن المشي وأبقى هنا أين يمكن أن أسمعك ثم أحسك. الانتظار الطويل حتى تشفى تماما هي التجربة الوحيدة التي أود خوضها وصمتك الجبري هذا هو كل الموسيقى التي أهتم لها وإن لم أرك تفتح الباب وتخرج طربا غانما نحو السهول المثيرة والربيع الخصب فإني أحبذ أن أبني قبرا قرب الباب ثم أنام. لا أكتب كل هذا كي أثير في قلبك حزنا أو عطفا، تبدو الأيام أقل ثقلا حين لا تقضيها وحيدا ويبدو الألم أدنى وجعا حين يئن صديق نفس أنينك وحين تظن أن قلبا حرا يزهد في كل العيش ويجلس عندك وحين تعلم يقينيا أن شفاءك مفاجأة كبرى قد تهديها لروح تحبك حقا، وأنه حين تضيق علينا جدران الدنيا هناك ضلع قد يتكسر قبل ضلوعك، هناك قلب أقوى منك سوف يدق كي يجري الدم في نسق طبيعي داخل شريانك، هناك هواء في رئتي أخبئه دوما كي أنفثه في رئتك، هناك جزء مني يطغى على كلي قد أمنحه قربانا، وتبقى أنت وأبقى فيك.
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Randomحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.