22/03/2019

98 8 2
                                    

كيف حالك هذا المساء؟ وكيف  يبدو الجو عندك؟

هنا، لا يكف المطر عن الهطول، قطرات الماء وإيقاعها الحلو يوقظ في نفسي شعورا مخمليا قديما، مزيج من العواطف الباردة الساكنة وشيء من الموسيقى الفرنسية الكلاسيكية. السماء غائمة كالأسف ومزاجي مناسب جدا لكوب دافئ  من الشاي الأخضر مع النعناع والليمون واللوز الطري.

منذ سكنت إلى نفسي وأنت تخطر لي كوجه من رسم دافنشي يحملق في من كل الاتجاهات. تحاصرني كظل لجسم يطوف فوقي وأينما فررت منك لا أصطدم إلا بك، فقل لي كيف حالك؟ أمازلت تفكر فيّ بذاك القدر المتطرف من الجنون؟ أمازلت تحبني كأني آخر بنات الإله؟  أم أنك في هذا الغياب الثقيل نسيتني حقا؟ قل أنك قد نسيت ودعني أتوقف عن الاعتذار منك مرارا.

قلبي يكاد يتفجر بك وأنا بالكاد أحمل جسدي. أشعر بالخمول الشديد وتداهمني رغبة في النوم بعد النوم، وأفكاري شتات بين آلاف المواطن وروحي ممزقة هنا وهناك، أفكر فيك، أفكر فيهم،  أهرب منك وأهرب منهم ولكنك عنيدٌ عنيدْ، أقوى الهواجس وأصلب العواطف وأيبس الرؤوس.

منذ رحلت وأنا أشاجرك آلاف المرات أكثر من أيام كنت هنا، أصرخ في وجهك حتى تتقطع العروق وأغضب منك حد التفجر. وفي كل مرة تكسر كل الأواني، وتزأر كأخطر الوحوش وتهددني بأني سأندم، سأندم يوم لا ينفعني الندم، ثم تغادر، وحين أقوم صباحا، أقوم وأنفاسك تحاصر قلبي من جديد.

كم مرة سوف أقول لظلك أنه لم يكن كافيا يوما أن تقول أحبك، أن أقول أحبك، وأن نجلس في سكون تحت جدران المدارس نناقش احتمالات الزواج بعد خمس سنين. لم يكن كافيا أبدا أن تكون مسالما، أن أكون امرأة ذات مبادئ وأن يستمر كل ما بيننا هادئا مستقرا. 

إنك حمل وديع وأنا سيل من الماء الجارف العنيف، قد أحبك كالرجل الوحيد على سطح البسيطة ولكنه لا يكون كافيا أبدا كي أُمتلك، من المستحيل أن تقبض على الماء بين أصابعك، الأمر يحتاج كثيرا من المراوغة وكثيرا من الاحتيال. كيف يصير الحب حارا عميقا ما لم نركض بين الضفاف آلاف الليالي دون توقف ولكننا نبقى لا نصل؟

لم يكن ذنبك يوما، ولم يكن ذنبي، كنت أرى الحب مذبوحا في نظراتك الهائمة الحزينة، وأدرك رعشة قلبك حين أمر بقربك، وأعلم أنك تغير كل الطرق التي يحتمل أن أعبر منها، إنني أعلم أن لا أحد أحبني مثلك، يحبني مثلك، قد يحبني مثلك، إنني أعلم أن دجلة قلبك والنيل قلبك والقدس قلبك وطريق الجنة المستحيلة باب من أبواب قلبك وأن كل الأراضي دونك سعير ونار. إنني أعلم أنك أفضل من كل الخيارات، أجمل من كل المعابر، أرقى من كل القصائد، إنني أعلم أنك دافئ جدا، ولكنني امرأة كالعواصف، كالرعد والبرق والنار وانفجار البراكين ودوي القنابل، وكلما وقفت حائرا تائها أمامي اندفعت كالرصاصة الغادرة، فجرت روحك  واخترقت ظهرك وبقيت أركض في سرعة ضوئية بعيدا عنك.

أنظر إلي بكل وقاحة، ولا تراعي غروري، ولا تترك أمامي خيارا، طوق كل الطرق وأغلق كل الشوارع ولا تترك أمامي فجوة في الجدار أهرب منها وكن أنت كل المصير الذي أمشي إليه. أمسك بكتفي بقوة وحاصرني بينك وبين الجدار، واصرخ بوجهي: " إما تكونين لي أو تكونين للموت والنار!"

سأقول: الموت والنار!".

هل تفهم الآن حل الأحجية؟ لا تترك خيارا غيرك يا سيدي، لا تترك خيارا، لأني  مراوغة فقط، أحب أن أرى إلى أين يصل مداك، وكم تستطيع التحمل، وإن كنت حقا تستطيع الوصول أبعد من حافة الأرض  سعيا إلي؟ 

قل: إما تكونين لي، أو تكونين لي!" بصوت حاسم عنيف، ونظرة حادة غير قابلة للنقاش، وقف قبالتي صلبا ثابتا واثقا معقود الحاجبين.

سأجعد جبيني بتحد، سأضرب صدرك وأدفعك بكامل طاقتي، فكن أنت  الأقوى مني، سأصرخ بصوت يعلو على صوتك: " ارحل بعيدا!"،  فلا ترحل أيها الغبي، لا ترحل! قبلني لأصمت وعانقني لأستكين واهمس في أذني بكلام رقيق لأبكي، أبكي كل ما تراكم في صدري من تعب!

ماذا تخالني؟ تمثال رخامي لا يحس؟ سد منيع لا ينكسر؟ إنني امرأة فقط، وخلف السد الشديد ماء مطر. إنني أدرك أن قلبي ثمين، ووجودي ثمين، وأني كالسحر الجميل، إذا دخلت قلبك أحييت فيه حتى تفاحة آدم التي أخرجتنا من الجنة، وأني حين أحبك أرمي بنفسي بينك وبين كل الرصاص وكل السهام وكل الجراح، وأني لا أتغير ولو  ماتت قرطاج ألف موت وماتت بعدها روما ولو ضاعت أطلنتس إلى الأبد  ولو كان السراط الذي يأخذ إلى الجنة لا يتسع لكلينا معا، أبقى أمشيه معك.

إن لم تكن في حياتي رجلا كاملا فلا تكن، إن لم تكن حبا كاملا لا يقسمه ألف عام من القصف المستميت فلا تكن، إن كنت سترحل غاضبا كلما فتحت بابي وقلت لك لا تعد فارحل مرة واحدة ولا تعد، لا تعد، لا تعد، احمل نظرتك الهجينة تلك، خذ كل خوفك وخذ كل جبنك وكل ضعفك وكل نبضك وكل ذكرياتك ولا تعد ، خذ حتى ظلالك الثائرة ولا تعد، ولا تعتقد يوما أني أعود إليك أو أعتذر، لن أعتذر، سأبقى أقول في كل مرة، لم يكن وقوعنا في الحب كافيا وفقط.

فوضى الأبعادحيث تعيش القصص. اكتشف الآن