يكتمل الليل بعد الواحدة وتخلو شوارع الأرض من العابرين، إنني لا أعلم تحديدا مصدر هذا النغم المربك الذي أسمعه عادة عند هذا التوقيت المريب، ولكنه لا يبدو بشريا، هي ذي مزامير الشيطان التي يتحدثون عنها؟ ألهذا يحرم الإسلام شدو المزامير وصياح الأوتار الفاجر؟ أشعر أن أظافر طويلة تمزق قلبي من الداخل في حين تسير بي قدماي إلى الشرفة دون إرادتي. هذا الصوت يشبه نداء أفقهه ولكنني أضيع في تراتيله. أصعد على سور الشرفة الرخامي، يقابلني القمر والنجم الأصفر وتنتابني أحاسيس مبهمة جدا. أطلق شعري، أفتح أزرار القميص، أفتح ذراعي وأشعر بأن عينا ثالثة تتفتح على جبيني، تتغير الألوان، أرى شعاعا زهريا يشق قلب السماء، أشعر برفيف أجنحة متمردة تحت جلدي غير أنها هزيلة، هزيلة جدا. ينتفض جسدي ويهتز صدري بعنف، كأني ابتلعت ملايين العصافير وآن موسم هجرتها إلى الشمال البعيد. أرى كائنات مضيئة تحلق بعيدا، كائنات ذات أجنحة بيضاء طويلة جدا وجلود فضية براقة. تفتح أفواهها وتصيح كلها معا فيصدر منها صوت أعرفه، النغم المربك الغريب. تبدو النوتات كالكلمات الواضحة الآن:
أيها الطائر الهجين
أيتها الروح التائهة
أيها القلب المعذب
أيتها الأجنحة المهشمة
أيها القدر الكئيب
أيتها الجراح النازفة
أيها القلق الأزلي
ارجعي من حيث وقعتِ
وانتمي إلينا مجددا...
جسدي يغدو ذهبيا، أفتح فمي فأسمع موسيقى حزينة جدا تهرب من مساربي المغلقة ثم أراه، بذات الوجه المضيء والأعين العميقة، يطير محدقا نحوي مباشرة، يئن فتحترق كل خلية داخلي وتهتز أطرافي، يباغتني شعور ثقيل كالفقد والحنين ويمر أمامي شريط سريع جدا ودموي. ترتعد أجنحتي أكثر وأدفع جسدي نحو الأفق عساني أطير ولا أطير.
يجتاز بغتة حدود الشعاع الزهري نحوي في سرعة خاطفة، أرى نيرانا جائرة تأكل جسده وأسمع صياحه المرعب، يعانقني بقوة بكامل حرائقه وتختلط دموعه بدموعي ثم ينتهي المشهد.
توقظني أشعة الشمس الدافئة، أرفع جسدي بصعوبة فائقة ويجتاحني ألم شديد. أرى كدمات سوداء تبرز تحت الجلد، كدمات تشبه حروقا مغلفة. أمرر أصابعي فوقها وينفجر في داخلي وجع غير محتمل، أبتسم لأن آذاي دليل حاسم يثبت أن كل ما أعايشه حقيقي وأن وجهه الجميل ليس حلما مبتذلا يراودني، ثم أجهش بالبكاء.
أي خطيئة حتمت علينا أن لا نلتقي أبدا وأي جرم اقترفنا كي يكون الحاجز بين قلبينا عالمين محرمين؟ أيها الطائر الهجين، أيها القلب المعذب، أيها القدر الكئيب، أيها القلق الأزلي...
13/06/2019.
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Diversosحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.