عن فيلم كبرياء وتحامل

34 2 0
                                    

عثرت على ما أشاهده طوال الليل دون ملل، الجميع كان يتحدث هنا وهناك عن عيد ميلاد كيرا نايتلي ذات الابتسامة الساحرة والمشاعر الرقيقة والملامح السفاحة وأنا بالطبع كفتاة مهووسة بكل ما هو جميل لم أستطع أن أقاوم.

كوب من الحليب الدافئ مع ماء الزهر ثم رحلة رقيقة داخل مشاهد محرقة لفيلم كبرياء وتحامل الكلاسيكي. ما أجمل من ثنائية كيرا نايتلي الفاتنة ممتزجة بروح جين أوستن ورائحة الريف البريطاني وتفاصيل الحب الصغيرة جدا في كنف الفوارق الاجتماعية الشاسعة والعناد والفظاظة والصراعات الصامتة؟ لا تضحك هكذا، إنه آذار، وهو كئيب جدا لعوامل طبيعية بحتة ولكنه جميل أيضا يلامس شيئا خفيا في الأعماق، والساعة تجاوزت الواحدة ليلا أصلا، الجو كان مناسبا جدا لقصة حب كلاسيكية.

تعال واجلس على الأرض صامتا ولا تقاطعني، يجب أن أصف لك بالتفصيل كل المشاهد والأفكار التي عبرتني، لأنني الآن على قدر من الحماس والانفعال شبيه بتفتح مرج واسع جدا من زهور الأقحوان الرقيقة، أجل تخيلها هكذا، تتفتح في داخلي في لحظة واحدة وتداعب أطراف بتلاتها مكانا عميقا في روحي، تخيلت؟ هذا الشعور لذيذ جدا.

إنك لا تعرف ما لامس قلبي إلى هذا الحد طبعا، بالتأكيد ليست القصة، أعتقد أني تقمصت دور ليزي، في طباعها وتفردها شيء شبيه قليلا بنفسي وهي ستنجذب دون شك لشخص كالسيد دارسي، وفي الواقع فالسيد دارسي هو ما يجعلني أشعر بكل هذا الحماس، ليس لأن الممثل كان وسيما إلى حد ما ذي أعين زرقاء وقامة طويلة ومشاعر متفجرة، بل هو ذلك الشيء المختلف في السيد دارسي  الذي يجعل منه محور اهتمام.

أنظر، أعتقد أنني سأحب شخصا مشابها ذات يوم، هذا لو قدر لي أن أحب بشكل حقيقي لأنني أنا أيضا مصابة بمتلازمة الملل السريع وفقدان الحماس والشعور بذاك الخلل القاتل والنشاز المميت في الروابط. دعنا من هذا، فطريا أنجذب لذوي الهالة الغريبة المختلفة، الذين يلفهم ذاك الغموض القاتل، الصامتون المتصلبون، المغترون بأنفسهم ظاهريا أصحاب الكبرياء العالي، أجل بالضبط، ذاك الصنف المزعج صعب المنال والاختراق من البشر. هؤلاء يصيبونني بحالة جنونية من الشغف وأعتقد أن الموضوع عائد لإصابتي البالغة جدا بداء الفضول القهري. هم يشبهون في الحقيقة رحلة متهورة في العمق البشري، أعتقد أن لهوس التطفل على خبايا الآخرين وقراءة ما يجول في خلدهم دور مهم في كم التفاعل الذي يصيبني، أمثال دارسي تصعب قراءتهم في البداية، الظروف لا تساعد وطباعهم الصلبة والمتأهبة تعطيك انطباعا بأن شيئا  عظيما يقبع في الداخل، شيء مختلف ولا يشبه كل ما قابلته، أو ربما ببساطة، شيء لم يكتشفه أحد من قبل وسوف تخترقه أنت للمرة الاولى.

على أرض الواقع، في الأفلام والروايات وحتى في كتاباتي، كل ما ذكرته لك يصيبني بالجنون وأنا الآن أعايش حالة كهذه من التأثر. أعتقد أن المرحلة الأولى لهذا الجنون فقط ما يدور حول هذا البشري المغري جدا، ولكن احتمالية انبثاق القصة يكمن في مدى قدرتنا على إيجاد الطفل الصغير جدا في عمق هذا الشخص المغلف بطبقات متجمدة من القصدير، ولا يمكن لامرأة العثور على ذاك الرضيع المدلل والجميل إلا إن كان طفلها  حقا، تماما مثلما يرتبط الجنين بحبل سري مع والدته، يرتبط رجل كهذا بحبل روحي مع امرأة واحدة قد أحدثت فتحا عظيما داخله، سوف تبدأ الشمس بالانبثاق حارة في عمقه وسيذوب ذاك القصدير المجمد، وسيتغير شكل العالم بعدها، هناك مكون كئيب سيكف عن الهطول مع الندى الصباحي، سيبدو أن العالم قد صار موسيقيا جدا وأن التفاصيل الصغيرة المهملة كلون الحذاء  وطريقة ربط الخيوط وعدد الابتسامات الممكنة للوجه الواحد كلها ستصير مهمة جدا فجأة وسيكتسب العالم كثيرا من المعنى، لأن العالم يغدو راكدا ما لم يكن هناك مؤثر ومتأثر يتبادلان الأدوار بشكل ذكي ومنسجم وما لم نستطع مشاركة أحدهم كل شيء مهما كانت درجة أهميته. من المنعش أيضا إدراك أن هناك روحا هنا في الأرجاء تشبهنا إلى حد ما، أننا مهمون جدا  أمامها، غير مطالبين بالتصنع، لن نغدو وحيدين أبدا، وأن شخصا واحدا  يدرك كنهنا، يعرف سرنا الأعمق والأعظم والأبشع ومع هذا يحبنا حد التوحد فينا.

الحب فكرة لطيفة تجعلنا سعداء جدا وممتزجين بأنفسنا، شيء خفي يعانقنا من الداخل بشدة حين نحب، أستطيع أن أشعر بهذا العناق الآن وأستطيع أن أصفه بأنه شبيه بتفتح  كوكب كامل من زهور الأقحوان.

هناك أشياء أخرى علقت بداخلي، المشهد الذي حادثت فيه ليزي والدها عن مدى حبها لدارسي، كانت تقول مع كثير من البكاء أنه مختلف جدا عن كل ما يظنه الآخرون وأنهما فقط متشابهان، ثم يخبرها والدها أنه كان يظن أن لا أحد على هذا الكوكب سيستحقها هي بالتحديد وأنه لم يكن ليقبل بأقل من رجل يستحقها. تأثرت هنا، أنا مصابة بهذه الفكرة النرجسية مع ذاتي وهذا تحديدا ما يجعلني مصابة وبشدة برهاب العلاقات، الحب كفكرة فنتازية، ومع أنها قد غدت مادة مستهلكة جدا في كل شيء وأقل بريقا مما كانت عليه في العصور السابقة، تلامسني أكثر من كل الأفكار المبتكرة المثيرة للدهشة، كفكرة فحسب، لكن إذا ما نقلتها إلى الواقع أجد أنني أعيش مع ذاك الاقتناع بأن لا أحد يستحق حقا أن يرى مداي وامتدادي الكامل. إدراكنا للقدر المبهر من الجمال الذي تنطوي عليه ذواتنا يجعلنا أشد عرضة للعزلة والوحدة ولعدم الرضا وعدم الاقتناع بكم الخيارات المتاحة، نحن ننتظر شيئا فنتازيا يليق بنا ونتحول ببطء إلى نارسيس آخر  يحملق بغرور شديد في صورته منفصلا عن كل الحياة.

ماذا تظن أنت؟ هل يمكن أن أقابل شخصا كدارسي يجعل كل هذه الفانتازيا حقيقية؟ إنك نارسيس آخر يا صديقي، لا تجيد إلا الضحك أمام هذا السؤال الأحمق وحين ستقول نعم أنت نفسك لن تصدقها.

لماذا أحضرتك إلى هنا في هذا الفجر المرهق وفجرت عقلك كالعادة بالثرثرات غير المجدية؟ لقد نسيت وجودك تماما حين كنت أشاهد الفيلم واندمجت في عالم خرافي جميل، لكن كاتب السيناريو شخص حقير، في المشهد الأخير بالضبط جعل دارسي يسأل ليزي بمنتهى العفوية المبتذلة:" كيف حالك هذا المساء؟" ووجدتني أضحك حتى غرقت في الوسادة، بدا وكأنك ظهرت من العدم بوجهك الكوميدي ذاك وتعليقاتك السخيفة لتقول لي : ما هذا الوجه المتأثر جدا؟" ثم تنفجر ضاحكا كالمهرج وتسخر من حجم السذاجة التي تتملكني أمام هذا النوع من الرومانسيات الخيالية، العبارة جعلتني أشعر بذاك القدر المضحك من السخف حقا أمام كل الخدر الذي أصبت به.

وجدتك أمامي وكان لابد من أن أثرثر، وعادة حين يبدأ عقلي بالثرثرة لك وبذاك الاندفاع المربك... أكتب لك رسالة مملة.

27/03/2019.

فوضى الأبعادحيث تعيش القصص. اكتشف الآن