ربطتني به صداقة وثيقة جدا، أكبر وأوسع من كل الكلمات.
كنت أهرب إلى الشرفة كل ليلة، أبحث في حدود السماء عن حلم يحتويني، أطلق موسيقاي وقصائدي ملء المدى فتذوب الألحان والكلمات في زوايا الحي. أطلق حسني أمام الريح والقمر وأعيش طقوس جنوني كاملة، أبكي مع النغم الحزين وأفتح ذراعي حين تعانقني ذرات الحب الهاربة من المنازل الأخرى وأتوه في أجساد الذكريات.
يجلس عند عتبة البيت المقابل، بيني وبينه شارعين وأرض خاوية اتخذت منها النباتات البرية وطنا. ينظر إلى السماء طويلا، يمشي ويجيء أمام بيته، يفكر، يركل حجرا صغيرا على الطريق، يشعل سيجارة أولى يدخنها واقفا، يشعل سيجارة ثانية، يدخنها محدقا ناحيتي، يشعل ثالثة ويجلس عند العتبة أين يلتهمه الظلام فلا يبقى من جسده المصقول إلا وهج السيجارة الحمراء.
يتأملني كالناسك المتعبد، يبقى جالسا هناك، تحتضن شرارات الصوت المنبعثة فوضاه العارمة، يعيش معي طقوس الوجع والهيام والضياع، أعيش معه قلقه الثقيل وضجره من كل ما تعج به الحياة. أنظر نحو السماء فينظر إليها رفقتي، ثم أحدق فيه فيحدق في، أجلس ساكنة فيستكين ويهيم كلانا في تفاصيل الآخر الكثيرة. أحرر خصلاتي أحيانا وأراقص الألحان، يقف مشدوها ولا يقول شيئا. يخلل أصابعه الرقيقة داخل شعره الأملس وأشعر برقة يديه تنساب من فروة رأسي حتى خدي وعنقي. تعانقني ظلاله في بعض الليالي وأبكي على كتفه البعيدة، تعانقه ظلالي، ويتنهد قرب نهدي. كلانا يحب الليل والسهر الطويل، الليل يحضرني إلى الشرفة ويأتي به تحت عامود الكهرباء في الركن القصي.
لا شيء يرعبني أو يخيفني منه إلا أن يبني جار لعين منزلا بين الشارعين، فينام ليلي وتموت لياليه الجميلة، ويبقى من كل ما كان بيننا قصص صامتة ترددها النجوم.
06/06/2019
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Acakحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.