أمشي على الطرقات المهشمة كروحك، وكمر الهزيمة حين تتكسر دمعة صامتة على خدك، أفكر فيك فتجتاحني كقطرة سم قاتلة تجرح باطن الشريان وتمزق أوصال القلب وتطحن خلفها كل المفاصل.
جموح السماء الليلة يشبهك وانقباض الليل والبرد القارس والشارع الخالي الكئيب. ألا ترى؟ أيها المتحلل في دمي، ألاترى كيف تصير الحياة مسرحا قاحلا أمامنا وكيف تتحد كل مؤثرات الكون كي تعزف لأرواحنا الذابلة لحنها الجنائزي الأخير، ألا ترى كيف يمتد فينا الموت كالورم الخبيث وكيف نمتد فيه ولا نموت؟ ألا ترى جور الوجود، يبقينا هنا لينتشلنا منا، فلا نحن نبقى ولا نحن نمضي ولا الزهر الطري ينبت في خلجاننا ولا العدم الرحيم يطالنا.
أسير إليك الليلة بكامل التجويف داخلي وبكل الفراغ الذي امتص عوالمي وبكل الخواء الذي تآكلني كالسوس القبيح. أقتحم بيتك ذي النوافذ العارية والأبواب المشرعة فتلفحني رائحتك، رائحة الخمر والعرق والدخان والنساء وليالي العهر والوجع، موسيقاك الصاخبة وروحك الصامتة كالمقابر.
أراقبك أين اعتدت أن أراك، هامشا من هوامش غرفتك، مرمي كأكياس القمامة عند الركن القصي بشعر أشعث ولحية كثة ووجه أبيض كالأمل، وجهك الجميل والحزين هو كل ما بقي من فتات الحياة على مقلتي.
ترتعش أصابعك الرقيقة كأحزان الخريف كلما داعبت ذقنك أو رفعت السيجارة الرديئة إلى شفاهك، ولأني قد بت أحفظ طقوس احتضارك وبات مألوفا أن أراك مهشما محطما وأن أحبك وأنت آخر ما بقي من الإنسان الذي كنته، لأني اعتدت أن يكون في اندثارك خدر لقلبي وفي عقمي وانهياري سلامك، لم أعانقك ولم أبك إلى جوارك ولم أهرب ولم أكتم نفسي ولم أغير من تفاصيل البؤس حولك.
أيها القديس المدنس، يا صلاة الموت فينا ويا بقايا القصائد الملغاة من الديوان، فلتبكي الآن كالأطفال الصغار ولأقطع كالعادة شرياني ولتنتشر رائحة الدم في الأركان ولتشرب خمرك غير مبال ولأخطو إليك، فلتبقى هامدا ودعني أقع فيسيل دمي على فخذيك وتفيض روحي على كتفيك وأضمك كالطفل اليتيم إلى وجعي ويعلو منك صوت النواح وأستكين قليلا حين يضرب نفسك الحار نهاية عنقي ونرتجف من الحب الكافر، كأن الحب الذي لا ندرك أول الإيمان وآخر الأديان ولينتهي بنا التاريخ هناك.
29/01/2019
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Randomحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.