إليك

255 15 15
                                    

تمر هذه الليلة ثقيلة ككل أيام الغياب..

تنتابني رغبة جامحة في البكاء على صدرك بكامل الطفولة وجعا منك، تتعبني الحياة التي صورتك في قلبي كتفاحة آدم المحضورة، مشتهاة بقدر ما فيها من الإثم والخطايا.. أريد أن تحتويني في روحك بقدر ما أراك محرما و ممنوعا ومستحيلا!

هذه الليلة عدت أفكر في الموت، في القفز من قمة البرج إلى أسفل المنحدر بلا أجنحة تختطفني من جنوني إليك، أفكر في الألف رسالة والأحرف الأخيرة المنقوشة بالدم، أفكر في السم الذي يرتشفه المهزومون والمخذولون على عتبات الانتصار، أفكر في الاندثار بكامل الكبرياء والتجبر، بمنتهى الخيبة والانتشاء، أفكر في تفاصيل وجهك الباكي وأنت تركض بلا حقيبة سفر نحو جثماني وتلثم بكل الندم والحسرة عيناي وثغري، تعانق بردي وتبكي روحا ذابت في تفاصيل قلبك حد التلاشي.. أفكر في السنوات السبع التي مرت والقلب يعزف لحنه الثنائي وحيدا، ينتظر أمام باب الإله أن تسقط من كفتيه إحدى المعجزات، وأن تغدو يداك لأصابعي بيتا رقيقا..

كالفلسطيني الذي يرى بعين القهر أرضه تفتك وتغتصب، كنت أراك انتماء يسلب مني.. كم قهرا زرعته الحياة في نبضي، كم جرحا تفتح حتى تقرح وذبلت في آهاته المنفلتة، كم حيرة طوقتني، كم غصة ودمعة دفنت في زوايا الصمت، وكم عذابا سلت في دروبه وحدي..

أتمنى أحيانا لو انقطعت أصابعي قبل أن أفتح بيدي بابا للسعير، قبل أن أسحبك نحو حياتي بجرأة، قبل أن أسقيك من مائي بمنتهى الغرور والتكبر وقبل أن أتورط فيك بهذا القدر.. لكانت الحياة استمرت بدائية بسيطة كما أقنعت نفسي عمرا من الغياب.. لما استحالت الأمنيات، ولما خاب الأمل، لما خاب الأمل، لما خاب الأمل...

يا أطلنتسي البعيدة، ويا سمرقند المدفونة في ضمير الأرض، ويا إرم ذات العماد الضائعة ويا كنعان القديمة ويا بقايا الأندلس ويا نيران كربلاء المنطفئة ويا مدينة في أقاصي الأرض أبكيها ويا وطنا جائرا يا حلما هاجرا ويا وجعا يكتسح كياني من الوريد إلى الشريان، يا كفرا، يا ظلما، يا إثما و يا جحيما أشتهي المكوث في تياره!

كم سنة ستمضي من دون أن نزرع الياسمين في حديقة بيتنا؟ من دون أن نكتب القصائد على جدراننا، من دون أن نصلي معا للنجمة السداسية والصلبان وقبلة الإسلام؟ من دون أن تصير أورورا ماسة براقة على سقفنا؟ من دون أن ينعكس المنصور في خلجانها شمسا راقصة؟ من دون أن نستلقي والسماء غطاءنا، والأرض مهد ناعم من تحتنا؟ من دون أن أنتشر كالدخان في الزوايا، وأحط مرة كالحنين في انحناءات الجسد ومرة مجازا بين الدفاتر والأنين؟ كم مرة سيخذلنا الحضور والغياب؟ كم مرة سنفترق حين يفتح الفردوس بوابته العتيقة لنا؟ كم مرة سنلتقي حين تحول بيننا كل الظروف والسبل؟

كم عمرا يلزمنا كي ندرك كل ما لا ندرك؟

وكم خيبة سنحيا، لنجلس ممزقين نحصد ما تركنا خلفنا من خسائر؟

17/03/2018

فوضى الأبعادحيث تعيش القصص. اكتشف الآن