نشاز.. نشاز.. نشاز..
كنت مولعة بالعزف على الكمان ذات يوم، حتى اختفت الأوتار من حولي فجأة ولم يبق لي من ذلك الوقت الجميل إلا النشاز والرغبات الناقصة. لو يعود بي الزمن إلى هناك لكنت سرقت الكمان وخبأته خلف الوسائد عن أبي كما سرقت ذات يوم الكتب التي خفت عليها من الاندثار. قد تأخذ الأشياء مسارات مختلفة حين تتعلق بك، لابأس إذا إن انقطعت أوتار كمنجتنا قبل انتهاء اللحن، أنت الموسيقى الوحيدة التي لا تحتاج إلى الآلات كي يخشع في حضرتها الوجود وأنا مازلت هنا، شعلة جبارة من محارق كربلاء التي لا تنطفئ أبدا في أساطير المجوس. يكفي ونحن نقف عند حافة أعمارنا أن لا نقول "لو" حين نحدق في الاحتمالات التي أمكننا اعتناقها أيام كنا هنا.
اللعبة لا تنتهي إلا إذا اخترنا لها أن تنتهي، والحروف تكون عقيمة أصلا بلا عطر ما لم تنبعث عفوية من قلب كاتبها، مالذي سوف يعنيه المقام إذا؟ وماذا لو سرنا عراة في الشوارع وامتدت إلينا كل الأصابع؟ أو كنا آثمين فاجرين ظالمين؟ أو صار نص الرسالة مباشرا بعد أن كان لعمر قصير غير مباشر؟ إني وقفت على الركح أصلا، وألقيت نص القصيدة وعيني تحاصرك دون اكتراث بكل الجماهير، وأغمضت عينيك وصدقت أنك قد صرت إلاها.
نحن كتاب لا اعتياديون أساسا، نضيف البيادق متى شئنا إلى المشهد، نزيل البيادق، نقود غيوم السماء، نصنع الريح والرعد والبرق وقطرات المطر كيف نشاء، وحين تفلت من بين أصابعنا الحكاية ننجرف إلى حيث تأخذنا سرعة الضوء.
أين كنا إذا؟ الغرفة والسجائر والقهقهات، مازلت لا أدري لماذا أرى كل تلك الكسور خلف القهقهات، وتفر عيناك مني بعيدا حين تخطط أن تصير سعيدا.
نحن... كيف جئنا إلى هنا؟ ومنذ متى تسيرنا الكلمات وتطوف بنا نحو غياهبها اللامعروفة ؟ ولماذا اختارتك اللغة ولماذا لا أجيد فن الكذب أمامك ولماذا تستلم الطفلة التي دفنتها قبل آلاف الليالي زمام القيادة؟
دعنا من كل هذا، حدثني عن التيه وعن كل الحكايا التي لا تتسع لها كل السطور، حدثني عن الخيبة وعلمني فنون تدخين السجائر مثلك وكيف يصير المرؤ جميلا إلى الحد الذي لا يطاق إذا ما تكسر.
أحببت علم الجراحة منذ لمحتك، لو كان لي أن أعيد تشكيل قلبك، تبديل عظامك كي يزول الألم، كتابة الأغاني على الإيقاع الذي يصدره نبضك، ألا ترى أني مثلك طفل صغير يحب اللعب؟
لماذا يعاني الأطفال شأننا ثقل المجازر؟ وماذا لو تزوج المنصور القذر بأورورا الجميلة؟ أو قتل هتلر كل البشر ثم انتحر؟ ماذا لو كنا التقينا عند الصغر وأعطيتك عهدا وعقدا، ثم افترقنا ثم التقينا، وما كنا انكسرنا وما كنا اضطررنا لشن الحروب ضد الثعالب؟ وماذا لو وقعت في الحب ما إن رأيتك ولو كتبت إليك كل الرسائل؟ وماذا لو كنت شخصا جريئا وابتسمت دون انكسار النظر؟ وماذا لو تحدثنا لساعات تحت المطر، تحت النجوم، مثقلين بكل الجنون، ولو رقصنا، ولو نسينا أسماءنا أو تعانقنا حتى انتهينا؟ وماذا لو قطعت شرياني قبل حلول الصباح الجديد؟
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Randomحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.