فوضى الأبعاد

هذيان

مازلت أعتقد أننا سنلتقي ذات يوم، بين صخور شاطئ منسي نزوره هربا من الحياة،  أو عند جسر قديم متآكل ومثير للاشمئزاز، أين لا يسعنا إطلاقا أن نرى غروب الشمس وشروقها كما يحدث غالبا في مشاهد هوليود، أو في مقهى رديء جدا سيء السمعة، أين يمكننا أن نحصل على القهوة بمليمات قليلة من دون أن نقع تحت سحر الخيالات التي تنبئنا في كل حين بدخول شخص مميز جدا سيقلب حياتنا رأسا على عقب. سأكون يومها قد فقدت شغفي الشديد في العثور عليك منذ سنوات لا بأس بها وقد انتقلت كي أعيش مرحلة أشد نضجا من أحلام الشبيبة والصور المنمقة، وسيكون ذوقي في اختيار الملابس التي أرتديها قد ازداد سوءا وأكون انا نفسي قد كففت عن التأثر بكل التفاصيل وردات الفعل التي أراها عميقة. وكيفما كان مشهد اللقاء هذا فإنه لن يكون مميزا جدا كي نحتفظ بتاريخه، وربما بعد عام أو عامين سيتملكنا شيء من الأسف لأننا بالكاد نستطيع أن نتذكر كيف التقينا. لن أحدثك يومها عما أثاره البحر في قلبي خلال حياة حافلة بمغامرات البحث عن صديق يشبهك، أو عن قدسية الجسور القديمة في كل القصص والروايات التي اعتدت أن أكتبها ولا عن أن كل ما يثيرني في ذاك المقهى دون سواه انه مليء بكل الذين لا يخبؤون قذارتهم خلف قناع أنيق وأنه بعيد كل البعد عما تتطلبه الأخلاق الحميدة والمبتذلة. لن أبذل جهدا كي أقنعك أني شخص مختلف وشبيه في آن بصورة المثقف المثير للاهتمام ولا العاشقة الاستثنائية في كل شيء، ولن أناقشك حول ما أسميه نظرية سياسية بنيت أسسها من حوارات أبي مع نفسه أمام التلفاز ولن أنظر أمامك إلى كل ما عايشه قلبي نظرة المظلوم والمنتهك، وقد يخطر لي أن أسر لك بانهزاماتي الكثيرة بشيء من السخرية وعدم المبالاة. وسواء تم الأمر بعد سنوات طويلة بالشكل الذي أصفه لك اليوم أو لم يتم، إذ أن كل هذا لا يخرج من إطار التفاصيل التي نكتبها للضرورة الأدبية لا غير، فإن كل ما يعنيني حقا أننا قد نلتقي أخيرا، وأنني قد أشعر في مرحلة ما بالانتماء الشديد إليك كما لم أشعر حتى أمام أبوي، وأنني قد أحس بالهدوء اللذيذ حين أسير رفقتك بلا هدف يذكر وبجيوب فارغة وملابس بالية وشكل مثير للاشمئزاز ومزاج متقلب كالأكاذيب وسخف شديد في سرد الحكايا. وأنه قد يتسنى لي أخيرا أن أبكي بالقرب من قلبك كل ما مر وما لم يمر فتسندني وتنفجر باكيا إلى جواري غير مدرك لذاك الكم من المشاعر الهائلة واللامفهومة التي تنتابك من حين إلى حين، وأن ينجلي شيء من الغربة التي لطالما تآكلتنا أيام الصبى العذب والتي قد تتملكنا في عمر متقدم جدا حين يتلاشى أحدنا ذات موعد حياتي أخير.

#هواجس