أسقط الثوب الزهري عن جسدي تماما كما أسقطتك عن قلبي ذات مساء، أحمله بأطراف أصابع ساقي اليمنى وألقي به في سلة الثياب المتسخة ثم أزيل شريطة الشعر ببطء وأستمتع بالراحة الناتجة عن السيلان الرقيق لخصلاتي على كتفي وظهري. أعدل حرارة المياه أبرد ما يكون وأسمح لها بالانهمار فوقي، يتسلل نسيم عذب إلى دواخلي ويمحي الماء النقي كل قطرات العرق التي احتوتك، يذيب ذاكرتك تدريجيا ويمر على كل الندوب الصامتة ليلغيها. أختار معطر الجسد ذي رائحة العسل المخملي، لم أجرب هذه الرائحة حين كنا معا من قبل، تغير الزمن كثيرا وتغيرت معه التفاصيل وتغيرت طقوسي كلها، لم أعد امرأتك الخجولة.
حدقت في انحاناءات جسدي عبر المرآة، شعري المبلل ملتصقا بوجهي وذراعي وقطرات الماء المنزلقة عند الذقن والعنق، كل الوديان التي قد تزهر على أطرافها حبات التوت العذب... ابتسمت، لم أشعر أنني أنثى فاتنة منذ رحيلك الأخير، لكنني الليلة أكتشف أن كل براعمي الصغيرة قد نمت وتفرعت وغدت حدائق مشتهاة. جففت جسدي بمناشف ناعمة، أعددت كوبا من القهوة، ارتديت قميص نوم شفاف، أحمر شفاه قان وعطر رقيق، اختلست السيجارة المعطرة الأخيرة بالمحفظة ثم تسللت إلى حديقتنا الأمامية. لم يحالفك الحظ كي تجالسني عندها، بدأت حديثا أحب هذه المنطقة، المكان الوحيد الذي لا يحمل شيئا منك.
اخترت أغنية رومانسية هادئة واسترخيت على أحد الكراسي، الساق فوق الساق. النسيم عليل جدا الليلة وأشجار الصنوبر والليمون والقصب تمنح الهواء عبيرا شذيا ونقيا، الجو مريح، والسماء صاخبة بآلاف النجوم الجميلة. أشعلت السيجارة في هدوء وارتشفت القهوة بسكون عجيب وببطء غير مألوف. التف القط الأبيض الصغير حول ساقي وداعبني بفروه الناعم، راودتني مشاعر شهية وتدريجيا تلاشت كل الأفكار والرؤى، تملكتني سعادة رقيقة وبدا لي أني أتحول تدريجيا إلى المحور الأساسي لهذا الوجود الساحر. قررت أن أكتب عني هذا النص الطويل وأن أنغمس في مشاهدي وبنرجسية كاملة، لا أحد يستحق أن أكتبه قدري.
نزعت خفي لاحقا، تمشيت حافية على العشب الطري المبلل، غيرت الموسيقى إلى أخرى صاخبة، فتحت الحنفية لتنبعث المياه حولي بعشوائية وأطلقت ذراعي وساقي مع النسيم أجاري ظلالي في رقصاتها الغجرية. أستطيع أن أبني حضارة الحب كاملة مع نفسي منذ الليلة، أن أراقص ظلي المنعكس على الجدار وأذوب في الأنغام العميقة وأن أمنح ذاتي ما تستحقه من جنون وشغف.
استلقيت على العشب المبلل وانتشيت بدغدغة أطرافه اللينة ما إن تلامس جلدي، أخذت نفسا عميقا من الحياة، حدقت في النجوم ثانية وابتسمت ابتسامة واسعة فابتسم لي الله من الطرف الآخر.
أعتقد أنني أجد الطريق إلي أخيرا وأن بداية أخرى قادمة سوف تنتصر على كل تضاريس الماضي الضبابي وأعتقد أيضا أنه لم يبقى لهذا العمر أي متسع أعطيه للحزن. فلتسقط كل مدائن الحزن الليلة.
30/06/2019.
01:32 am.
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Randomحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.