كنت أريد أن أعبر قلبك، أزرع زيتونة شامخة وأقول أن كل الصباحات ستمر من اليوم سعيدة هادئة، وكنت أريد أن ألون كل خدش في داخلك وأن أعلق قربه قطعة حلوى، ربما تنسى كيف بدا مذاق الوجع حين مررت من هنا، كنت أريد أن أطلق جيشا من الفراشات داخلك وألقي في المدى بذور الزهر الشذي وأن أفجر فيك كل عيون الماء الخفية وأن ينبثق ضوءك من كل المسامات، ولم أعتقد أني حين سأبلغ أرضك سوف يراودني كل ذاك التعب، وأني سأقع جسدا باردا باكيا وأن أعاصير الكون ستعصف بي وأني سأهوي كالجثة الفارغة.
اليوم أفتح عيني في جسد جديد، رائحة الأوركيد تملأ رئتي ولا أشعر حين أتنفس بأني مصابة بأي نوع من السرطانات، حتى الندوب القديمة رحلت بعيدا. خرير مألوف لنبع أحبه عاد للغناء وصوت الناي العميق يهدهد قلبي، والألوان العذبة تبزغ من كل ركن وصوت داخلي عجيب يخبرني أني قد عدت إلى وطني.
إنني الآن لا أكتب من الغرفة اليمنى لبيتي بالعاصمة، أشعر أني أقف داخلي، في الأماكن اللذيذة التي لم أزرها منذ أعوام بعيدة ولا أعلم كيف عثرت علي بعد أن تهت مني. مرمية على أرض طرية وحولي ورود برية ساحرة ولا أشعر أني وحيدة تائهة. سلام عظيم يحيط بنفسي ومشاعر هادئة جارفة تنبثق في كالابتسامات الرقيقة. سعيدة جدا منذ الصباح إلى الحد الذي يجعلني أرغب في الكتابة ثانية عن مدن ما فوق السحب. إنني لا أنكر أن في رأسي شيء من الطنين، ذاك الطنين البعيد لصوت انفجار مرعب قد كان هنا ثم انتهى وذاك الدوار الخفيف لرأس لم تنم منذ الأزل، لكن كل هذا يبدو الآن بعيدا كسراب لم يكن.
كل شيء يشبه الآن المشهد الأخير السعيد لفيلم فانتازيا طفولي، أذكر أني عبرت الظلام الثقيل، وجلست لوقت طويل بين أرض مخيفة مليئة بشتى المسالك التي تبدو سعيدة مزينة وبين سراط ناري تحته هاوية مظلمة وعند ضفته الأخرى تقف أنت وحيدا متعبا مشتتا غائبا عن الوعي، ولأمر لست أعرفه قررت المجازفة، المشي على النار والاحتراق، أردت عناقك قبل أن أرحل نحو حتفي بعيدا وأردت أن أقول كن سعيدا، لأن البعض مثلي نقي جدا فيرضى بالموت مصيرا في سبيل أن تعيش، أردت أن أزرع فيك زيتونة واحدة، لكني ما إن وصلت وقعت خائرة القوى.
إنني أعلم الآن أنك قد عانقتني رغم كل مافيك من تعب وأنك قد مسحت بأصابع لينة بقايا الدموع على وجنتي وأنك قد همست بصوت حار كالأمل أننا سنكون بخير وسيمضي كل ما فينا من جراح وسنشفى لأننا أقوى من كل ما كان، وأعلم جدا أنك قد كلفت جسمك أكثر مما يحتمل كي تحتوي قلبي، وأعرف أنك أعطيت كل ما لا تملك حتى يكون هذا النهار جميلا كالفصل الأول من كل شيء. وأنا الآن وفي قمة عنفواني أفكر أن أمنحك كل ما أملك، كل ما لا أملك وكل ما كنت أبتغيه لنفسي.
أفكر الآن في قول درويش أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة وأفكر في تغيير زوايا النظر وكتابة ألف رسالة للبقاء حية أبعد مما يشاء الإله.
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Randomحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.