أن أشاهدك بغتة في ساحة عامة مكتظة بالآخرين، أن أرى فيك مشهد النبي المنبوذ ثم أصدق كالمراهقات المغمورات تلك التراتيل التي ترددها خلسة مع كل التنهدات التي تطلقها، أن أعود إلى دهاليزي العميقة وأشكل الكلمات كالصلصال كي تشبهك ثم أخبئها في رف الخزانة خلف الكتب أو أقرأ القصائد المستلهمة من إيقاعك الخفي على الملأ متفادية النظر إلى عينيك كي لا تدرك أنك المعني بكل هذا الهوس، ألا يبدو هذا مشهدا بدائيا جدا مقتبسا من أفلام بوليود القديمة؟
ماذا لو كنت امرأة من طين مختلف، تشكل الحروف كالسهام كي تطلقها، مؤمنة بأن السهم الذي لا يصيب الهدف سوف يلغيه التاريخ إلى الأبد؟
في رفيف أغصانك نصر لذيذ، فكلانا عابرا سبيل مؤقتين، وإن اصطدمت بك اليوم على الأرض الذي لم أعتقد قط بأن قدمي قد تطالها، فإنا غدا سنحدق من دون شك في الغروب الحزين من طرفين مختلفين وفي أوقات يستحيل أن تتطابق، وقد لا نتذكر يومها أبدا هذا الزمن الساكن اللذيذ. سوف يكون حزينا حقا أن تمر من دون أن ترى ولو لمرة واحدة على الأقل ألوان الطيف البديعة التي تحيط بروحك حين ينعكس ظلك المنحني على تلك المرايا التي أحدق من خلالها، ولا أخالني أكتب كي تموت النصوص بلا صدى أو كي تنام المرايا قبل أن ترى.
دع عنا هذا الابتذال، إني أحب اللوحات الممزقة من الأطراف، الأغنيات المقطوعة من المنتصف، الثغرات في النصوص المكتوبة عند كبرى الانفعالات والمنحوتات المهشمة المتآكلة. فأي كسر فيك قد أثملني إلى هذا الحد؟ لتكن حطاما إذا، ولتكن بطلا متروكا، ولتكن خدشا قبيحا في قلب الحياة ولتكن صنما مهشما، إني أحلق كالطير المغرد حول شمسك ثم أسرق منك كل فتات الصخر الذي يغريني وأعود إلى حدائقي البعيدة، أشكل من بقاياك مجسما لإلاه، أشعل كل شموعي حول صرحك وأغني وأصلي للحب
المجرد من كل الضوابط.
كل هذا اللغو يغدو عقيما مكابرا، إنك تعرف حتما كيف يرسم الأيتام على دفاترهم صورا لعائلاتهم السعيدة ولحياتهم الممتلئة بالمحبة في حين تمضغهم الوحدة حتى الاندثار، أنا مثلهم، لا أمتلك حديقة ولا أجنحة وأدرك أن شمسك اختلاق جميل. مثلهم تماما، أحدق فيك تحديق الغريب إلى الغريب فتشابه تفاصيلك في عيني الوطن، أرسمك كالخرائط في فراغي، ثم أنام وسط الحدود المشابهة لما أسميه بالانتماء وأصرف بك رغبتي الجامحة في الانتحار.
إن أشهى خيالاتي معك أن يكون الوقت ليلا، أن تكون النجوم بارزة كالأمنيات، أن أخبئ رأسي على كتفك ثم أبكي، أبكي طويلا، وأن تراقب السماء مغنيا لحنا حزينا حتى يحل الصباح وتتعرى الندوب العميقة فينا، فنختبئ.
كنت أصنع أبطالي من الورق، ثم أكتب للورق، لذا فمن الجميل جدا أن تكون استثناء حتى في هذا وأن تقرأ، وأن أستطيع الكتابة بهذا الانتشاء.
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Randomحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.