الوقت يضيع مني سريعا وضميري العملي لا ينجز مهمته كما يجب. أعزم على مكافحة حالات الشرود التي تداهمني كل خمس دقائق، أعد القهوة وأضع الحلوى أمامي ثم أفتح الملفات المزدحمة بالمعلومات وأبدأ بمطالعتها بتركيز شديد.
تتحول الأحرف اللاتينية فجأة إلى الهيروغليفية، يظهر لي وجهك عبر الشاشة صافيا كالحقيقة، تتسرب الرمال الجبلية التي تحيط بك إلي وتغدو لينية شيئا فشيئا حتى تشابه الصحراء. أنظر حولي فجأة لأجدك تسير بجانبي ولأجد المنطقة قد غدت أشبه بهضبة الجيزة وها نحن ذا واقفان أمام بوابة ضخمة تقود إلى عمق هرم عجيب ومرعب. أسحبك من يدك رغم عبوسك وأركض إلى الداخل، لا يمكنني مكافحة حالة الفضول القهري التي تتملكني، خاصة إذا ما تعلق الأمر بإحدى أهم المعالم التاريخية التي تثيرني. فجأة تنغلق البوابة ويغدو المكان مظلما وتضطرب بإفراط، أسمع دقات قلبك العالية وأفكارك الصارخة ويخيل إلي أنك على وشك الانهيار. أمسكك من ذراعيك وأحدق في وجهك بثقة، سوف نخوض مغامرة ممتعة جدا هاهنا، الخوف من الظلام والأخطار والموت مجرد أوهام تختلقها عقولنا، لا شيء يدعو للخوف أكثر من عيش حياة تخلو من المغامرة، هذا هو الخوف الوحيد الذي أعرفه والذي يستحق أن نعطيه حيزا من قلوبنا. أقول كل هذا لك بحماس، أحدثك عن الفخاخ والألغاز التي سيتوجب علينا حلها الآن في الداخل وعن عبقريتك التي ستساعدنا كي ننجو في النهاية مع كثير من المجد. ألقي عليك خطاباتي السفسطائية وأرهقك بحماسي المفرط وأفجر خلايا عقلك بالثرثرة وفي النهاية تفقد صبرك، تمسكني من كتفي وتهمس لي بصوت خافت وعقلاني: " إن لم تكفي عن التحدث اللامجدي وعن إقحامنا في هذه المآزق الواهية سوف ترسبين، لم يبق لدينا كثير من الوقت، لم يبق وقت!".
أتأمل ملامحك في ذهول، وجهك يغدو جميلا جدا حين تتحدث بجدية، لكنه يصبح أجمل حين تبتسم، أعتقد أنك وسيم جدا وأن رؤيتك بهذا الوضوح تحتاج عينا ثالثة. لا يمكن أن نفرق بين الماس والبلور المزيف بالعين المجردة، لابد من خبير ما، ووجهك قطعة فنية ساحرة تحتاج خبيرا كي يعلن أنه لا يقدر بثمن. أشفق على كل الذين فاتتهم رؤيتك بهذا الوضوح الشديد وفاتهم أن يذوبوا في هول تفاصيلك.
لم يبق لدي كثير من الوقت حقا.
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Randomحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.