إنك تشبه الليلة حلما بعيدا أحبه، حلم الصبي الصغير الذي زار بيتنا قبل بضع سنين واشتهى أن يرى شجرة التوت العظيمة في الحقل الخلفي، ووجدنا بعد حين أننا نلعب بالرمل وفجأة امتزج طين يدي بطين يديه ووجدتني أحكي مسندة رأسي على صدره أمنياتي الصغيرة حول أن نبقى صديقين حتى انتهاء الحياة، وأن يكون لدينا بيت ريفي كهذا مناسب كي نلعب الغميضة كيف نشاء، وحين حل المساء وجاءت والدته لتأخذه بعيدا، قطعنا وعود اللقاء الجديد... ثم كبرنا بين الفراغات، روحين هشتين، نقتات على الانتظار.
أيامي تدور حول الوعد الذي لا أذكر أين قطعته، وفي أي حياة، ولأي صبي. منذ الطفولة، أبحث في كل العيون النقية التائهة، أحادث دمى القصب عن جنوني، أرسم دون توقف تفاصيل وجه يلوح كالظل في بؤرة القلب وأكتب فيه كل الهوس. أظنني أنتمي لزمان غير زماني، روحي جاهلية وفي جسدي شيء من دماء ليلى العامرية. ولدت عاشقة منذ الأزل، والله يمنحني فرصة واحدة كي أفي بالعهود الناقصة. منذ عصور بعيدة بدأت أشن حروبي الجامحة، حرب على البطل الوسيم الثري الذي يظهر فجأة على الحلبة، ثورة على التقاليد البالية وأخرى على الحب الذي يُبنى لأهداف كبرى بارزة. أعلم أن صديقي بسيط رقيق وأن له قلبا ثريا كأحلام الربيع وأن خطاه على الأرض ولادة سنبلة شامخة وأن صداه تراتيل كنيسة وأن له اسما عظيما تردده المآذن وأن مداه بعيد.
أعلم منذ البداية أني خلقت لرجل غريب، تلمع الأحزان في قلبه كاللآلئ، وتنتظر الجراح في نفسه أن تدركها أصابع لينة كالبلسم العذب، وإلا فلماذا يخلقني الله بهذه العاطفة
الباذخة وهذه القدرة العظيمة على التحمل؟ ولماذا أحبه حد انتهاء المعاني لو لم يكن شاعرا؟ ولماذا أصلي بحرقة تائب كي أراه لو لم يكن ماء عينيه مقدسا؟ ولماذا بعد كل ما مرت به روحي من انكسارات ما يزال قلبي قويا كي يحبه؟
إن كان هذا العذاب الطويل الشديد المرهق ثمنا كي أراك فإني أرضى بك جحيما دائما وأصلي لله شكرا عليه وأقوم الليل أدعو أن يزيد، وإن كان في احتراقي سلامك وفي موتي ولادة عهدك فإني أسلم جسدي إلى النار طوعا.
أنت تقرأ
فوضى الأبعاد
Randomحين يرتبط الحاضر بالماضي عبر جسور من كلمات... وحين نسير نحو الشمس بلا خوف... الغلاف من تصميم: جنود التصميم.