تناقضات (٢)

29 1 0
                                    

ساعات ثقيلة من الانفطار، التشقق والتحطم والنشاز والأنين وتمطط العروق حتى التقطع ثم يعبر نفس بارد إلى الداخل، صوت هامس يكرر وبنسق بطيء "اهدئي، وعكة مزاجية قاسية أخرى وسوف تمر، عاصفة شعورية مدمرة وسوف تنتهي تاركة الأرض حرة، اهدئي قليلا فقط، أنت لست وحدك، أنا هنا من أجلك، في داخلك، حي لا أموت!"

رويدا تتحلل الضوضاء ويخفت الضجيج وينقشع قليل من البرد ويعم سكون مريب.  ما كانت الكلمة القذرة؟ الانطفاء؟ أحضر شموعا وتعال نضيء هذا الدهليز المخيف، هناك بقايا زجاج معلقة بالسقف والجدران وانعكاس النار سيخلق بريقا ساحرا وسوف يعم الدفء، لا انطفاء يهزم روحا اقتاتت على الألم حتى صار فيها أملا.

الآن أعود من السنة الستين إلى الخامسة وتطغى على قلبي رغبة جامحة في اللعب مجددا وفي جمع كل شيء يمكن أخذه من ربوع الحياة، أستعيد لحمي الذي وزعته بقوة وأشعر أن كل ما في الدنيا ملك لي وحدي، حتى نفسك. أرغب في كل شيء مجددا، أرغب في الحياة والابتسامات والحب والرفقة والضوضاء والصخب وفي كل ما لم يكن يستهويني حتى، وأرغب فيك أنت أكثر من كل ما ذكر... لا سلام إذا دون فتك وانتصار، سأشن كل الحروب الممكنة، وأبعثر خريطة المكان والزمان وأعيد ترتيب المجرات بما يليق بهوسي وجنونك!

أتناول عشائي معك الليلة، أطلق صوت الموسيقى العبثية، أرتدي من أجلك فستانا مثيرا، أحدثك دون توقف أو انقطاع وأسمعك حد الثمالة. أعود للغرفة بعد هذا، ألاحظ صورتك المقلوبة فأصاب بالهلع وأعيدها كيفما كانت صباحا، أتأمل ملامحك الجميلة كالناسك المتعبد وأسبح لله لدهشتي  الشديدة من روعتك، أخرج علبة الرسائل التي كتبتها لك من تحت الخزانة وأبعثرها في كل ركن من أركان غرفتنا فتحلق الكلمات كالنجوم المضيئة وتطفو عند سقفنا، هل قلت أني سأتوقف عن الكتابة؟ ترددات إبريل تؤثر بي بشكل مفرط إذا، قد أتوقف عن التنفس يوما، أما الكتابة، فهذه كذبة قد غلوت في سردها كثيرا. أضع صوتك في مسجلتي وأدور حول صداك حتى أتعب فأستلقي على الفراش اللين..

أتمنى  أن أكون اكتسحت كل خلية دقيقة داخلك، كل هباءة أكسجين تعبر شريانك، ملأت كل الفراغات حولك حتى إذا ما رحلت تحطم سقف العالم فوق رأسك، هل قلت أني سأرحل؟ إنه إبريل لا أكثر.

لا تحملق في وجهي مستغربا، هل تفهم الآن عن أي نوع من الأمراض النفسية أتحدث؟ الازدواجية يا سيدي أقذر من الانفصام، ثلاث وعشرون قبيلة من الجن تتصارع داخلي وأنا وفي  كل ساعة أتقمص ظلا جديدا وأخوض معه في بعد جديد من أبعاد الحكاية نفسها، أجرب كل زوايا النظر وأتخذ كل القرارات وأصبح كل نساء الأرض.

12/04/2019.

فوضى الأبعادحيث تعيش القصص. اكتشف الآن