حكاية 5

73 11 0
                                    

-سكريبت-
-هتفضلي كده لحد امتي؟!
-‏....
-‏مش ناوية تردي عليا بردو؟! أنا زين، زين حبيبك، قومي بقى، خلاص والله مش هزعلك تاني، خلاص أنا عرفت قيمتك، أنتِ كنتِ كل حياتي كنتِ وهتفضلي كده دايمًا، اصحي واحنا هنرجع مع بعض تاني، مش هسيبك تاني.
" كنت سامعة كلامه، حاسة بيه، قلبي حاسس بيه وبوجوده جمبي، لكن عقلي رافضه، رافض وجوده، هو أخد مني كل حاجة، هو كان كل حاجة في حياتي، دخل حياتي غيرها من الأسوأ للأفضل، منكرش إنه ساعدني في أكتر الأوقات الصعبة اللي مريت بيها، لكن دوام الحال من المُحال، اتغير معايا، بقى يعاملني أسوأ معاملة، إهانة بشكل مستمر وشيء مقزز، كرهت حُبي ليه، كرَّهني في نفسي، كلامه ده خلاني أشفِق عليه، على حاله، لكن خلاص أنا كنت قررت أتخلص منه، محاولة انتحار فاشلة عشان أتخلص من حُبه، آه لسه عايشة لكني فقدت جزء كبير من حُبه، ليه أضيع حياتي عشان واحد استغلالي وأناني زيه؟ هو ميستاهلنيش، لازم أكمل عشان أقهره زي ما قهرني، مش هقع تاني ومش هسمح لحد إنه يقل مني، ولو وقعت هقف من تاني. "
بدأت أستعيد وعيي بشكل كلِّي، وشه كان أول شيء أشوفه، دموعه حرَّكت شيء جوايا، لكنها مقدرتش تغير أي شيء جوايا من ناحيته، لفّيت وشي بعيد عنه، مد ايده ومسك ايدي، ولأول مرة أكره لمسة ايده اللي طول عمرها كانت بتديني شعور بَعشقُه، خلاص كده يا نور كرهتيه؟
-عارف إنك كرهتيني، بس ممكن تديني فرصة تانية؟ إدي علاقتنا فرصة، متنهيهاش كده، أنا آسف، آسف على كل يوم خليتك تبكي فيه، آسف على كل مرة مسمعتكيش فيها، آسف على كل وقت كنتِ محتاجاني فيه جمبك وكنت بعيد، آسف على كل ألم كنت سبب فيه.
وجّهت عيوني ليه، كنت حاسّاه مذلول ليا، مكنتش فرحانة زي ما كنت متخيلة.
-يفيد بـ ايه الأسف بعد الألم؟ أنا مش هعاتِب ولا هتكلم كتير، خرّجني من حياتك المزيفة دي، أنتَ مش بتحبني، أنتَ بس واهم نفسك بـ ده، امشي من هنا، مش عايزة أعرفك ولا أشوفك تاني، سيبني أكمل الباقي من عمري بسلام.
-‏اسمعيني بس ولو لـ....
صرّخت وبدأت دموعي تنزل-‏اخرج بره بقى سيبني في حالي، عايز تدمرني أكتر من كده ايه تاني؟
الممرضة دخلت وخرّجته، ادتني مهدئ ونمت.
" وحيدة، حياتي بقت فاضية، هي كانت دايمًا فاضية، أهلي ماتوا من وأنا صغيرة في حادثة، مليش قرايب، مليش صحاب، مكنش ليا غيره، ودلوقتي مبقاش ليا حد، متعودة على الوحدة، بس إحساس صعب إنَّك متلاقيش حد تتقاسم معاه همّك، تشاركه أوقات حزنك وفرحك، مفيش حد تتسند عليه وقت ما تكون أنتَ مش قادر تسند نفسك، إحساس بالفراغ محاوطني، أنا عايشة ليه؟ مليش هدف ولا ليا حد بيحبني ولا بيحارب الدنيا عشاني، لأ دول بيحاربوا بيا الدنيا، بيدمروني عشان أهدافهم وبعد كده بيرموني، حتى المستشفى اللي بلاقي فيها اهتمام مسيري في يوم هخرج وهواجه العالَم من تاني. "
قطع تفكيري ومواجهتي مع نفسي دخول الممرضة.
-في حد برا بيقول إنّه يعرفك وعايز يطمن عليكي.
استغربت -‏يطمن عليا أنا! طيب، دخليه.
دخل حد وكان مخبي وشه بـ بوكيه ورد، ورد توليب! لأ يارب ميكونش زين، يارب لأ يارب ميكونش هو، مش عايزة أتوجع تاني يارب لأ، ابعده عني.
ورد التوليب ده نوع الورد المفضل بتاعي، زين كان دايمًا بيجيبلي منه، مكرهتش الورد وعمري ما هكرهه، بس بقى بيفكرني بذكريات بتمنى أنساها.
بدأ ينزل بوكيه الورد بهدوء شديد قتلني، وايه ده! هو ايه جابه هنا..؟ آدم..!! آخر شخص في الدنيا كنت أتوقع إنّه ييجي، باعتلي صاحبه عشان يحاميله ويدافع عنه، ظهرت على وشي ابتسامة مفتعلة، لاحظها آدم وقابلها بابتسامة هادية وجميلة، استغربت رد فعله جدَّا.
-عارف أنتِ بتفكري فيا ازاي دلوقتي، بس حاولي تسمعيني وتفهميني للآخر، ممكن؟
هزيت راسي بمعني آه ومتكلمتش، استنيته بفارغ الصبر يتكلم.
اتنهد -عارف أنتِ شايفاني ازاي دلوقتي، بس أنا مش زي ما أنتِ فاكرة، أنا مش جاي واسطة ليه ولا حاجة، هو آه صاحبي وكل حاجة بس عمري ما فكرت أكون واقف جمبه في الغلط، أيوة كنت عارف كل حاجة بيعملها فيكي، كنت بقف ضده، مش عارف ايه السبب بجد بس كنت بحس إنك مينفعش يتعمل فيكي كل ده، أنا جاي وكل غرضي خير بجد مش قاصد حاجة، ولو وجودي جمبك هيأذيكي فـ أنا همشي بكل هدوء.
كنت سامعة كلامه ومش عارفة أفرح إن ربنا استجاب دعائي وبعتلي حد يفضل جمبي ومعايا في وقت محنتي دي، ولا أزعل عشان ده صاحبه، وإنْ كل ما هبصله هيفكرني بكل ألم وذكرى وحشة في حياتي معاه..
اتكلمت بصوت مخنوق -ممكن توديني عند أي دكتور نفسي..؟
بصلي بتعجب ومردش فكملت -عايزة أتعالج منه، عايزة أنساه نهائي، ممكن تفضل معايا؟ أنا مليش حد تاني.
-أنا معاكي ومش هسيبك إلا لما تكوني بخير.
ومن هنا بدأت رحلة علاجي، بدأت أتعالج من الندوب اللي قلبي بقالها سنين، ذكريات طفولتي اللي كانت بتطاردني دايمًا، فقدان عيلتي، فقدان صاحبتي الوحيدة، وأخيرًا فقدانه هو، مكنتش متخيلة إنْ في يوم دكتورة نفسية تروح تتعالج عند دكتور نفسي تاني، شيء مُضحِك مش كده...؟ مكنتش متخيلة إنْ هو يفتح عليا باب الذكريات القديمة واللي حاولت بكل جهدي عشان أنساها، كان تو شرارة خسارتي، شرارة انكساري قدَّام نفسي، من يوم دخوله لحياتي وأنا كنت بفقد جزء مني كل يوم، بفقد ابتسامتي، بفقد ثقتي بنفسي، بفقد علاقتي بربنا، بفقد شغلي، بفقد الأمل في الحياة، ازاي دكتورة بتساعد الناس وتخليهم يبعدوا فكرة الانتحار من حياتهم هي ذات نفسها تقوم بالخطوة دي؟ لحد دلوقتي مش مستوعبة اللي عملته، طول رحلة علاجي آدم كان جمبي خطوة بخطوة، لقيت فيه الصديق، لقيت فيه الأب اللي اتحرمت منه من صغري، لقيت فيه الأخ اللي ربنا مرزقنيش بيه، هو كان كل حاجة ليا وقتها، قد ما كان وجوده مؤلِم وبيفكرني باللي زين عمله فيا، قد ما كان ظهوره في وقت كنت منهارة فيه مهم جدًّا، يومي مبقاش يكمل من غيره، وشوية بشوية ابتسامتي رجعت تترسم على وشي من تاني، فكرة إني أروح لدكتور نفسي مكنتش عشان أسمع نصايح منه أنا عارفاها كويس قد ما كانت عشان عايزة حد يسمعني مش أكتر.
-حلوتنا عاملة ايه النهاردة؟
ابتسمت بتلقائية أول ما سمعت صوته-آدم! ازيك، بقالي كتير مشوفتكش، كده تغيب عني كل الفترة دي، طلعت صاحب مش جدع على فكرة.
-آسف يا نور والله بس كان في شوية مشاكل في الشغل، على العموم بردو مرضيتش أسيبك من غير ما تعرفي اللي هيحصل.
قلبي دق جامد -‏و.. وهو ايه اللي هيحصل؟
-أنا مسافر القاهرة وهفضل هناك مدة طويلة، بس هحاول على قد ما أقدر ومش هخليها تطول.
بدأت أضحك بصوت عالي، ضحكت كتير وفي الآخر عيطت.
-هتمشي زيهم، امشي يا آدم مش هوقفك، كلكم زي بعض، يلا امشي وسيبني.
-‏افهميني بس يا نور الأول..
بدأت أخرَّجه من الأوضة وكنت بعيط وبصرخ فيه، خرج من الأوضة وقفلت الباب، حسيت بفراغ كبير في قلبي، رجعت لوحدي تاني، من امتى وأنتِ مكنتيش لوحدك يا نور، أنتِ كنتِ لوحدك وهتفضلي دايمًا لوحدك، لازم تتعودي على الواقع المفروض عليكي، بس حاسة بإحساس وحش أوي وهو بعيد عني، أخد الجزء اللي فاضل مني وسابني ومشي...
قررت أنهي رحلة العلاج الفاشلة دي وأبدأ رحلة علاجي بنفسي، رجعت للعيادة بتاعتي وقررت أفتحها من تاني، الواحد لمَّا بيسمع ويشوف هموم الناس بيحمد ربنا على اللي هو فيه..
عدَّا شهر والتاني والتالت وكنت دايمًا بتصل بيه، بس للأسف كان هو قرَّر إنَّه يخرجني من حياته، زي ما أنا قررت إنِّي أتعايش مع الألم
-دكتورة نور النهاردة عند حضرتك معاد واحد بس، والحالة جت بدري، هو قاعد برا دلوقتي، اسمه زين، تحبي أخليه يتفضل ولا أأجل المعاد؟
الاسم خلاني أتجمد مكاني،ولوهلة فكرت إن ممكن يكون هو، لأ فوقي يا نور، أكيدفي مليون شخص اسمه زين غيره.
-‏خليه يدخل.
خرجت منى وبعدها بدقايق دخلت تاني وهي بتوصل الحالة، وللأسف كل حاجة بتمنى إنها متحصلش بتحصل، زين..!! حالة من اللاشيء تملكتني، هيئته اتغيرت خالص، بقى بهتان، علامات على ايده بتدل على إنه حاول ينتحر، كتمت شهقة كانت هتخرج مني بشكل لا إرادي، وحاولت أتماسك نفسي وأكون على طبيعتي.
-خلاص يا منى تقدري تتفضلي أنتِ دلوقتي.
خرجت منى، وفضل هو واقف.
-اتفضل يا أستاذ زين.
-‏أستاذ!!
-‏تقدر دلوقتي تتكلم على راحتك، واتأكد إن أنا هحاول على قد ما أقدر أساعدك وأحاول ألاقي حلول لحضرتك.
-‏نور أنتِ عارفة ومتأكدة أنا عايز ايه، أنا عايزك يا نور، مش قادر أكمل من غير وجودك جمبي، حياتي انهارت من وقت ما بعدتي عني، من آخر يوم شوفتك فيه في المستشفى وأنا مرضيتش أظهر في حياتك تاني عشان مأثرش عليكي، عارف إني أذيتك كتير، بس سامحيني، انسي كل اللي فات وخلينا نبدأ صفحة جديدة، أنا خلاص عرفت قيمتك، فهمتك ومستحيل أكرر غلطي مرة تانية.
-‏أستاذ زين، أنتَ هنا في مكان عمل ومينفعش تدخل في خصوصياتي تمام، أمَّا بالنسبة لكلام حضرتك مع إنْ مينفعش أرد بس هريحك.
كملت كلامي بابتسامة -‏تعرف جملة "اللي اتكسر عمره ما يتصلح" دي تنطبق علينا، منكرش إنك كنت سبب في حاجات حلوة، بس أنتَ بردو كنت السبب في حاجات وحشة أكتر، مكرهتكش، ومش هكرهك، ولكن بردو مستحيل أفضل أحبك، في ناس بتعدي في حياتنا مش بنحبهم ولا بنكرههم، وجودهم كان ليه أهمية لكن مع الوقت أهميتهم وقيمتهم بتروح، زي ما حصل كده معايا، وأنا آسفة جدا لكن مش هقدر أستمر في العلاج مع حضرتك، أظن إنْ حضرتك محتاج دكتور مش دكتورة عشان يكون الفهم بينكم أسرع وتقدر تتجاوز الحالة اللي أنتَ فيها، وآسفة مرة تانية لكن أنا مضطرة أمشي عشان هتأخر على المعاد بتاعي.
سيبته ومشيت وأنا حاسة احساس عمري ما حسيته، احساس براحة كبيرة دخلت قلبي وهدِّت الفوضى اللي كانت بتحصل جواه، احساس إنك تواجه أكبر مخاوفك قدامك وتفضل ثابت وكأن مفيش شيء قدامك يهزك، احساس عظيم، ولأول مرة في حياتي أحس براحة جميلة زي دي، وعشان راحتي تكمل روحت للبحر، زي ما بروح كل يوم وأحكيله همي، كل يوم كنت بحكيله الحكاية مش كاملة، النهاردة بس قررت إني أقول كل حاجة عشان أحس بالراحة دايمًا.
-دلوقتي مليش ملجأ غيرك ولا صديق غيرك فـ أنا مضطرة أحكيلك حكايتي كاملة يمكن الهم يتشال كله من على قلبي.
شميت ريحة البحر وكملت -‏ضعيفة منطوية بتتحمل لأبعد الحدود، أيوة هي دي أنا، حكيتلك على حكايتي مع زين، والنهاردة هقولك على المفاجأة الكبيرة، زين جالي النهاردة في العيادة، والمفاجأة الأكبر إني محستش بحاجة لما لقيته قدامي، حسيت بالشفقة عليه وعلى منظره بس، قلبي متحركش ليه كالعادة، كنت ثابتة قدامه لا بتهز ولا برتجف ولا بضعف كنت قوية أوي لدرجة إنِّي استغربت قوتي دي، متساهِلتش معاه زي ما كنت بعمل، ولأول مرة أنا اللي أسيبه يترجاني مش هو، بس تعرف أنا بشكره جدًّا النهاردة إنِّي شوفته، أكدلي احساسي، مبقاش مجرد احساس بقى حقيقة هفضل أكافح عشان أوصلها.
أخدت نفس طويل وخرَّجته ورجعت أكمل كلامي-اتأكدت إنِّي بحبه، محبتوش عشان اهتمامه ولا وجوده جمبي، حبيته لأسباب كتير جدًّا كنت دايمًا بتمنى تكون موجودة في زين، لكن ربنا ليه حكمة أكيد في إنِّي أحب آدم...
بس يفيد بـ ايه حبي ليه وهو قطع كل حاجة تربطنا ببعض، يفيد بـ ايه وهو اختار يسيبني، يفيد بـ ايه وهو خل...
-لأ يفيد ويفيد أوي كمان.
قلبي اتحرك، قلبي دق بطريقة مفزعة، صوته أيوة هو متغيرش، قلبي حَس بيه لأنه ساكن فيه.
بصيتله وأول ما عيني جت في عيونه أخدت بالي قد ايه عيونه تشبه البحر اللي احنا قاعدين قدامه، بس بحره هو أأمن، بحره في هدوء وعزلة عن كل العالَم، بحره هو مكاني.
عيوني اتملت دموع-سيبتني ليه ومشيت؟ سيبتني ليه لوحدي؟ متعرفش إنِّي من غيرك كنت بموت؟
مسك ايدي ورسم على وشه ابتسامة سحرتني-مشيت عشان أسيبك ترجعي أقوى من الأول لوحدك، مكنش ينفع تتسندي عليا عشان ترجعي قوية، مكنش ينفع تعتمدي عليا وأنا في أي وقت مُعرض إنِّي أسيبك للأبد، وعشان كمان تتأكدي من حُبك ليا.
حضنته وفضلت أعيط كتير، محستش بالوقت، كنت محتاجة حضنه ده أكتر من أي حاجة ومن أي حد، سمعت دقات قلبه المتلخبطة زي لخبطتي.
-هتفضل معايا دايمًا؟
-‏هفضل معاكِ للأبد.
-‏للأبد؟
-‏للأبد.
"كنت أنا يومًا ما، لكن الآن كُلي أنتَ."
#أروى_إيهاب

كيان الغيثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن