حكاية 29

49 9 1
                                    

-لحد امتى هتفضلي قافلة على نفسك وبعيدة عن الكل كدا؟
رديت ببرود كعادتي:
-‏لحد ما ربنا يفرجها ويسترد أمانته.
-‏إنتِ بتكلميني كدا ليه؟
-‏كدا ليه ايه يا ماما؟ إنتِ متعبتيش؟ لأ حقيقي بجد متعبتيش؟ حوار كل يوم وكلام كل يوم من وأنا لسه صغيرة، افهميني مرة بقا حرام عليكِ، أنا مش زرار اتخلق عشان يلبي ليكِ أمانيكِ، أنا بشر، وقفلِتي على نفسي دي من صغري، مش بسببكوا ولا بسبب حد غير نفسي، ارحموني بقا وسيبوني لنفسي، ارحموني لأني تعبت.

ايه يعني عندي 25 سنة من غير ما يكون عندي صاحبة واحدة ولا على الأقل زميلة، ايه يعني لحد دلوقتي لسه متخطبتش؟ ايه يعني أكون اتخلقت وأنا جوايا شيء ناقص فيا، شيء لو حد عِرف بيه بيعايرني مثلا، أو يبصلي بشفقة كبيرة ويطبطب على كتفي ويا عيني يابنتي الله يعينك وتلاقي حد يقبل بيكِ، ألاقي حد يقبل بيا؟ هو أنا بواقي؟ في الآخر يبقا أقصى طموحي إني ألاقي حد يقبل بيا لأني مركبة سماعات، ضعيفة سمع من صغري، على الأقل كنت بواجه التنمر دا كتير وأنا صغيرة، دلوقتي أنا لابسة خماري ومش مبين لا سماعة ولا غيره، لكن مجرد ما حد بس بيعرف كل الكلام الوحش والسيء والمؤذي بيبان، كل الحزن والألم والقهرة بتظهر، أنا عمري ما زعلت ولا اتضايقت من إني كدا، ربنا خالقني كدا لحكمة هو أدرى بيها، وأكيد راضية، راضية كل الرضا التام.

عملت مشروبي المفضل، روايتي المفضلة، مكاني المفضل وهو البلكونة، خلعت السماعات وحطيتها على جنب، مجرد ما بخلعهم بفصل نفسي بعيد عن العالم، الصوت نعمة كبيرة لا يمكن إني أنكرها، لكن الصمت نعمة بردو، السكون وحالة السكون واللا شعور باللي حواليك بتكون إلى حد ما نافعة ليا، وأحيان تانية ضارة، ضارة حد الموت مثلا.

-كيان، يا كيان الحقيني.
كنت بكرر الحوار دا أكتر من مرة، وفي مرة من ضمن المرات ماما تعبت، وبما إن مفيش غيرنا في البيت فكان دا من أسوأ المواقف اللي اتعرضتلها، وإني كان ممكن أتسبب في وفاة أقرب حد ليا لأنني بس مش سامعاه، لاحظت بعدها بشوية إن نور الأوضة بيقيد ويطفي وهكذا، دخلت بخضة لجوا وشوفت ماما واقفة بصعوبة، عرفت إن الأزمة جاتلها، وفي لمح البصر كنت نزلت وطلبت الاسعاف رغم إني دا كله مش سامعة، وروحنا المستشفى وكنت نسيت حتى أركبها أو آخدها معايا، كنت قاعدة في ركن لوحدي وبعيط، بعيط بكل قهرة في العالم، لحظة من أسوأ لحظات حياتي، لحظة حسيت فيها بكل اليأس والحزن اللي في العالم، ببص حواليا وناس كتير ملمومة، شفايفهم بتتحرك لكنني مش سامعة، مش سامعة ولا فاهمة حاجة، دا مش مكاني، مش مكاني أبدا، وفجأة كل حاجة هديت أصوات عقلي هي الوحيدة اللي بقدر أسمعها بوضوح وسط سكون العالم حواليا، صوت عقلي بيقدر يخليني أسمع كتير، أسمع وأنا مش جوايا طاقة لإني أسمع، عقلي هو الشيء الوحيد اللي بيزيد تعبي.

فوقت من ذكرى الموقف على ابتسامة حزينة، قومت مسكت سماعاتي وركبتهم، مش هقدر أستمتع من غيركوا، خلاص بقوا جزء مني، ختمت ليلتي بإني نهيت الرواية الجميلة اللي مهما قرأتها بتخليني أعيش تفاصيلها وأفرح وأضحك وأعيط معاها، كنت لسه هروح أنام لكن موبايلي رن باسم محبب لقلبي أوي يعني.
-اشجيني.
-‏يوه يا كيان عيبك إنك حافظاني.
ابتسمت وقولت:
-‏مش أختي؟
-‏وأحلى أخت كمان.
-‏طب يا بكاشة الطلب على ايه المرة دي؟ خالتو كويسة بس أهم حاجة؟
-‏ماما آه كويسة، خلينا فيا أنا.
-‏اتفضلي يا وش المصايب اتفضلي، اجعل الأمر هين على قلبي يارب.
-‏فصيلة واللهِ، المهم يعني إن كراشي هيتقدملي خلاص.
-‏أنهي واحد فيهم؟ كراشاتك كتير.
-‏سمعتي وحشة أوي كدا؟
-‏وعد يا حبيبتي أنا بمشي معاكِ في الشارع بلاقيكِ بتغيري في الرجالة ولا أجدعها شراب مش جزمة.
-‏شكرا على ثقتك يا حبيبتي واللهِ كل الشكر.
-‏نتكلم جد بقا؟
-‏ياريت.
-‏مين؟
حسيت بكسوفها وتخيلت وشها بخدودها الحمرا القمر دي:
-‏مهاب.
-‏بتحبيه؟
-‏يا كيان بقا.
ضحكت وقولت:
-‏خلاص ردك وصل، المهم هييجوا امتى؟
-‏بكرا بالليل.
-‏هجيلك من الصبح، هتبقِي عروسة يا نونو إنتِ؟ هلبس سواريه على قفاكِ يا كوكو؟
اتكلمت بجدية:
-‏كيان إنتِ مش زعلانة؟
-‏هزعل من ايه يا عبيطة؟
-‏إني يعني اتخطبت و..
-‏وعد يا حبيبتي احنا أخوات مش ولاد خالة، ودا رزق ونصيب، وأكيد هفرح لأختي، يرضيكِ فستاني يطلع وحش بقا بسبب كلامك دا؟ مش مسامحاكِ لأ، وبعدين مش ممكن أخرج من فرحك دا بعريس قمور؟ أو ثري عربي يعني أيهما أقرب.

كيان الغيثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن