-بس أنا مطلبتش إني أمشي، أنا أصلا مش عايزة أمشي.
-افهمي بقى، أنا مش عايزك، امشي.
حاولت أهدّي نفسي، كيان هو مش قصده اللي بيقوله، هو مش واعي، هو مش في حالته الطبيعية، اهدي، وخليكي هادية، واتصرفي صح.
-هتمشي أنتِ ولا أمشي أنا؟
مردتش عليه، شيلت عيوني من عليه وقعدت على الأرض وسندت ضهري للحيطة، أنا تعبت معاه، حاربنا كتير عشان نبقى سوا، مرينا بمشاكل، حاربنا نفسنا وواجهنا مشاعرنا عشان نحميها وتبقى في النور قدام الكل، عدت علينا أيام صعبة كتير، واتخطيناها، ليه منقدرش نتخطى حاجة كبيرة زي دي؟ مفيش حاجة صعبة طالما احنا سوا، طالما احنا نقدر، وطالما في حد بنحبه بيشاركنا.قعد هو كمان، كان بعيد عني بمسافة، ضم رجله ودفن راسه وسطها، مش لو كنا كتبنا الكتاب من بدري كان زماني حضنته دلوقتي؟
-أنا تعبت يا كيان.
-أ...
-مش عايزك تتكلمي، عايزك تسمعيني.
رفع راسه وسندها على الحيطة، وعيونه متثبتة على نقطة معينة في السقف:
-أنا مكنتش كدا، أو كنت كدا بس لوحدي، محدش كان بيشوف الجزء دا مني، أو هو أصلا مكنش بيخرج لحد، مش عارف ايه حصل وكل دا اتغير، يمكن الظروف اللي مريت بيها، يمكن أسباب تانية كتير غيرت فيا، بس اللي متأكد منه إنها غيرتني للأوحش، أنا مبقتش غيث اللي عرفتيه زمان يا كيان، أنا مبقتش الشخص دا.
مكنتش فاهمة نص كلامه، أنا عارفة إنه مش كويس، حد زيه لو مر بنفس الظروف مظنش كان ممكن يتعافى أو لأ، لما بحط نفسي مكانه بحس إن مستحيل أرجع كويسة تاني، أكون خسرت أبويا وأمي وأختي في نفس اللحظة، عيلتي كلها والعالم بتاعي كله في ثانية، واتسابت في الدنيا لوحدي من غير ضهر أو سند، أو حضن أم دافي، أو ابتسامة وكلمة حلوة من أخت، شيء مؤلم، وحزين، مش هيحس بيه غير اللي بيعيشه وبس.
بس كلامه كان بيحمل معاني تانية، أنا عارفة إنه دخل في حالة اكتئاب، متفهماها ومتقبلاها، وراضية بيه وهفضل معاه مهما كان، لأني ببساطة بحبه، واللي بيحب حد لازم يستحمله في كل حالاته، لكن اللي مش قادرة أفهمه هو الحالة اللي بقى فيها، يعني ايه كان كدا بس لوحده؟ أنا مش فاهمة حاجة.-أنا اتشخصت باضطراب ثنائي القطب.
بصيتله باستغراب وعدم فهم عشان يكمل، عشان يوضح، عشان أفهم، لكن متكلمش تاني، احترمت سكوته، احترمت رغبته إنه مش حابب يتكلم، كفاية إنه شاركني شيء مهم زي دا، وأكيد أنا هفهم، حتى لو هو مشرحش هدور وأفهم.
كان بيلعب في الدبلة بايده التانية، باصص ليها بتركيز، وكأنه بيفتكر شيء مهم:
-أنتِ عارفة إنك أكتر شخص حبيته في حياتي، الشخص الوحيد اللي ممكن أحارب الدنيا كلها عشانه، اللي ممكن أعمل أي حاجة عشان أشوف ضحكة بس منها تنور دنيتي، والشخص الوحيد اللي عمري ما أتخيل حياتي من غيره، والبنت الوحيدة اللي قلبي دق ليها، واللي عايز أكمل باقي عمري معاها.
دمعة من عيونه نزلت:
-بس اللي بيحب حد مش بيتمنى الأذية ليه، بيتحمل هو الأذى في سبيل بس إن حبيبه يفضل بخير، واللي بيحب مينفعش يكون هو مصدر الأذى، وطول ما أنا هنا، معاكي يا كيان مش هسببلك غير كل أذى وبس، ودا أنا مش هسمح بيه.
عيونه جت في عيوني، كان شايفني وأنا بعيط ومش قادرة أتكلم رغم إن جوايا كلام كتير أوي، لكن معرفتش أتكلم.
-متخلقتيش للأذى يا كيان، ولا تستاهلي تشوفي كل دا، ولا تستاهلي تحاربي في معركة خسرانة، ومع شخص وحالة ميئوس منها، أنتِ تستاهلي الخير، ويمكن خيرنا مش مع بعض، يمكن النصيب مش مكتوب لينا سوا، أو يمكن دي حكمة ربنا اللي هنعرفها مع الوقت، أو مش لازم نعرفها أصلا.
اتنهد:
-عايزك تعرفي إن قلبي عمره ما هيدق لبنت غيرك من بعدك، وإنك هتفضلي الأولى والأخيرة، عارف إنك هتتعبي بسببي دلوقتي، بس تعب فترة أحسن من تعب عمر بحاله تضيعيه على حد ميستاهلش، عارفك قوية وهترجعي أقوى من الأول، وقتها هكون فخور بيكِ إنك قومتي من تاني، وقتها هكون لسه بحبك.
خلع دبلته اللي اسمي محفور فيها ورفعها قدامه:
-آسف، بس دي مش هقدر أسيبهالك حتى.
لبسها مرة تانية:
-هتبقى هي آخر ذكرى تجمع بيننا.
فضل باصص بعيونه ناحيتي دقيقة، وكأنه بيودعني ومشي، كان مشهد وداع زي الأفلام، شوفت مشاهد كتير تشبهله، بس محدش قال إن الحقيقة بتوجع أوي كدا، محدش قال إن الروح بتتسحب لما حبيبنا بيبعد عننا.