-امشي يا كيان.
قربت منه:
-مش همشي يا غيث، مش همشي، مش هقدر أمشي، افهم، أنا عايزة أكون جمبك، أنا مش مجبرة.
قرب عليا، ملامحه كاسيها العصبية، عرق كتير على جبهته، ونبرة حزن مفيش غيري يقدر يلمحها:
-أنا مش عايزِك.
-إنت كداب.
التفت ناحيتي واتكلم بصوت عالي:
-امشي برا، مش عايز أشوفك تاني.
رجعت ورا بخضة من صوته، هو عارف إني بتأذي من الصوت العالي، عارف إني مش بستحمل أبعد عنه، ومع ذلك عايزني أبعد.
-طب أعمل ايه طيب؟ حاولي تساعديني؟
-إنتِ بتتكلمي بصوت واطي كدا ليه؟
-قاعدة في الأوضة وقافلة عليا، خايفة غيث يسمعني.
-تمام، المهم، غيث مش قادر يثق في اللي حواليه يا كيان، حاولي تساعديه يرجع ثقته بنفسه في الأول، وقتها ثقته في اللي حواليه هتكبر، ويمكن يتعافى.
نبرة صوتي اتهزت:
-هو ممكن يكون مش بيحبني؟
-لو مش بيحبك هيتجوزك ليه يا كيان؟
مش عارفة، أنا لحد دلوقتي معرفش السبب، بس مامته هي اللي أجبرته دا اللي أعرفه، بس أنا حبيته، مش مشكلته أنا عارفة، بس أنا عايزاه يكون بخير، مش عايزة أكتر من كدا.
-تعرف؟
-عارفة إنك مش هترد فأنا هقعد هنا جمب الباب وهتكلم، لأني عايزة أتكلم مع حد.
قعدت على الأرض جمب الباب:
-من زمان أوي كان في حياتي شخص لطيف وجميل، شخص حبيته جدا، وكنت بديلُه من قلبي لأجل بس إنه يكون بخير، لأجل أشوف ابتسامته وضحكته وفرحته، لأجل إنه يفضل معايا، ويفضل ونسي وسط أيام الحزن اللي بتقابلني، لكن في يوم من الأيام الدنيا خطفته من بين ايدي، أصبحت وحيدة من تاني، رجعت لوحدتي، الوحدة مش حلوة زي ما بقول دايما، عمري ما حبيت كوني وحيدة، أنا مش بعرف أنزل لوحدي، مش بعرف أضحك لوحدي، مش بعرف أكون فرحانة ولا مرتاحة وأنا لوحدي، لكنني اتعودت أحب وحدتي، لكن عمري ما حبيتها رغم إني كنت بقول العكس، لحد ما إنت جيت، عارفة إنك مش بتحبني، لكن أنا بحبك، وحابة أكون جمبك ومعاك، نعاني سوا، ونفرح سوا، احنا واحد يا غيث، اسمحلي أكون جمبك، ياريت تسمح.
مش سهل إني أعترف قدامه كدا، مش سهل أبدا، بس أوقات الظروف بتجبرنا على حاجات غريبة، لازم طرف يتنازل عشان ينقذ المركب، لما يشوف الطرف التاني قدامه تايه مش قادر يتصرف لازم يكون هو العاقل المتحكم اللي ينقذ الموقف.
-ويا ترى الشخص دا بقى يبقى مين؟
-ايه؟
-ايه ايه؟ مين الشخص دا اللي سابك؟ ولد؟
-تعرف عني كدا؟ بنت طبعا.
لقيت ابتسامة صغيرة ظهرت على وشه:
-ياه يا أخي لو تضحك كدا دايما، ضحكتك لطيفة أوي وجميلة.
ابتسامته اختفت:
-ماشي، أنا جعان.
مسحت على وشي وأنا بحاول أهدى:
-وأنا معملتش أكل.
-نعم؟
-هو ايه اللي نعم؟ مش إنت مزعلني؟ عايزني أكون زعلانة وأعمل أكل كمان؟ لا لا كدا كتير عليا بجد.
-أنا آسف.
-ايه؟
-مكنش قصدي أتعصب عليكِ، أنا بس مش بكون متحكم في أعصابي لما باخد العلاج.
انتبهت لكلامه:
-علاج ايه؟
-علاج الاكتئاب.
اتصدمت مش هنكر، مكنتش متوقعة الرد أبدا، كنت فاكرة إنها نوبة وبتيجي كدا بدون سبب مثلا بسبب إنه متضايق من شيء، متوقعتش إنه اكتئاب، بصيتله وحاولت أخلي ملامحي تكون هادية:
-بتعرف تعمل مكرونة وايت صوص؟
-نعم؟
شديته من كتفه:
-يبقى يلا بينا هنعملها سوا، يلا متنحليش كدا، ما إنت مش متجوز خدامة يا بيه، هتساعدني يعني هتساعدني.
كنا بنتشارك وهو واقف مذهول، اللي هو ايه دا أنا بعمل ايه؟ وفي الحقيقة أنا اللي كنت بعمل مش هو، لكنني كنت عايزة ألهيه في أي شيء بعيد عن التفكير، التفكير الكتير مؤذي.
-أدوية الاكتئاب يا كيان ملهاش تأثير جانبي، عقله الباطن اللي بيتصرف على الأساس دا، يمكن الأدوية بتخليه انفعالي شوية، لكن مش لدرجة تكسير الأوضة وإنها توصل إنه يقتل انسان.
لما وصل للحالة دي فعلا أنا انعزلت تمامًا عنه، مبقتش أخرج من الأوضة إلا لما أعرف إنه نزل أو نام، مش خوف منه، بس عشان يتعلم، عشان يفوق لنفسه.
-فين الأدوية بتاعتي.
رديت بدون ما أبصلُه حتى:
-رميتها.
مسكني من كتافي جامد:
-إنتِ مجنونة؟ ازاي تعملي حاجة زي دي؟
-نزل ايدك واتكلم كويس، أنا مش هستنى لما تقتلني بسبب الزفت اللي بتاخده دا، دوا ايه اللي يخليك توصل للحالة اللي إنت كنت فيها دي؟ إنت مستوعب إنت كنت هتعمل ايه؟ كنت هتقتلني بين ايديك.
-أنا مكنتش واعي، مكنتش شايف، قولتلك ابعدي عني إنتِ اللي مرضيتيش.
-لأن دا مش حل، الاكتئاب مرض زي أي مرض، إنت اللي بتتعامل معاه وكأنه شيء عيب، مرض زي أي مرض وبيتعالج، مش ضروري يتعالج بأدوية، الأدوية مش حل، إنت من جواك رافض العلاج أصلا فبالتالي عمرك ما هتخف، فوق لنفسك يا غيث، لأن اليوم اللي هتفوق فيه هتفوق على كارثة كبيرة، الله أعلم هتكون ايه.
الاكتئاب مرض غير مرئي، غير ملموس، أغلب المرضى بيتعاملوا معاه وكأنه شيء وحش، هيأذيهم لو غيرهم عرفوا بيه، لكن دا شيء غلط، الاكتئاب علاجه الأول إنك تواجه خوفك، سبب دخولك في الاكتئاب دا تواجهه وتتغلب عليه، محدش يستاهل إننا نحرق نفسنا وقلوبنا عشانه، محدش يستاهل ننزل دمعة واحدة عليه، محدش يستاهل إننا نأذي نفسنا واللي بيحبونا واللي حوالينا بسبب إننا اتوجعنا أو اتقهرنا من حد، ارمي الماضي ورا ضهرك، سيب اللي فات للي فات.
-بتعمل ايه؟
-هنام.
قرب عليا ونام على رجلي:
-حطي ايدك على شعري.
ابتسمت وحطيت ايدي فعلا على شعره وبدأت ألعب فيه، غمض عيونه وافتكرت إنه راح في النوم، لكنه خضني بصوته:
-من ست شهور وقبل خطوبتنا كنت بحب بنت، وكنت خلاص هتقدملها، هي كمان كانت بتحبني، أو مفهماني دا عشان توقعني وكدا، وحصل واتقدمت فعلا ولكن قبل ما الخطوبة تتم سمعتها وهي بتكلم صاحبتها وبتقولها إنها خلاص انتقمت من الاكس بتاعها اللي هو صاحبي بيا، وقعتني عشان تنتقم منه هو، حركات ولاد والمفروض إن الراجل هو اللي يعمل كدا لكنها هي اللي عملت كدا، من ساعتها وأنا فاقد الثقة في كل الستات، بس إنتِ مش زيها يا كيان، أنا عارف، إنتِ مش زيها.
مديت ايدي جمب وشه:
-تسمحلي أشاركك تفاصيل حزنك؟ تسمحلي أكون جمبك؟
مسك ايدي وحضنها:
-أسمحلك، لكن اوعي في يوم تسيبيني، مش أكون بحبك وتكسريني زيها.
-بتحبيني!
حضني:
-بحبك."كنت أنا يومًا ما، لكن الآن كلي أنت."
#كيان_الغيث
#أروى_إيهاب