حكاية 34

37 9 1
                                    

-كفاياكِ عياط يا كيان، هي متستحقكيش، ولا تستحق عياطك ولا دموعك دي عليها.
سمعت كلامه وعياطي زاد أكتر، هو مش فاهم، ومحدش هيفهم، مش بعيط عشان هي مشيت، بعيط على نفسي، زعلانة على نفسي وقلبي اللي اديته لحد ميستاهلش ربعه حتى، أكتر حد حبيته في دنيتي وأكتر حد كسرني وقهرني، سابتني في وقت كنت محتاجة فيه لوجودها، محتاجة وجودها جمبي ومعايا، دي حتى معزتنيش في وفاة أهلي، حتى مكلفتش خاطرها بكلمة واحدة، قد ايه هي قاسية وقد ايه أنا غبية.
-أنا معاكِ يا كيان مش هسيبك.
-‏محدش معايا يا غيث، أنا لوحدي، قلبي لوحده، محدش يعرف عنه شيء، كلكوا فاكرين إنكوا معايا وبتحبوني وبتعملوا الخير ليا، لكن كلكوا بتأذوني، كلكوا بتوهموني إنكوا معايا، بس أنا لوحدي، كلكوا كدابين، امشي يا غيث، امشي مش عايزاك.
في ثانية كان اختفى من قدامي، أنا مكنتش عايزاه يمشي، أنا كنت عايزاه يفضل، عارفة إني غلطانة، بس أنا مش فاضل ليا حد غيره، هو كل أهلي وحياتي دلوقتي، هيسيبني هو كمان؟
-ها ياستي ألبس دا ولا دا؟
-‏ايه؟
-‏ايه ايه؟ اختاري معايا ألبس ايه؟
-‏إنت نازل؟
-‏آه.
-‏رايح فين؟
-‏هخرج خروجة كدا.
-‏خروجة؟
هز راسه بآه فكملت:
-‏خروجة ايه؟ ولا مع مين أصلا؟
-‏مع أجمل حد في الدنيا.
حسيت بحرارة شديدة بتخرج من جسمي:
-‏بنت؟
هز راسه بآه مرة تانية، ابتسامته بتزيد، وأنا نفسي بيزيد، هو بجد هيسيبني؟
مِسك ايدي:
-‏يلا.
سحبت ايدي بسرعة:
-‏ابعد عني.
ضحك بصوت عالي:
-‏ما إنتِ قلبك طلع شغال أهو.
-‏ابعد عني يا غيث، روح شوف بتخوني مع مين.
-‏طب ادخلي أوضتك وإلا هزعلك دلوقتي.
دخلت الأوضة بسرعة، مش عشان خايفة منه، لأ عشان عايزة أعيط، كان في حِمل كتير على كتفي، حسيت وقتها إني حابة أرمي نفسي من على جبل عالي، لأجل إن همومي دي تقع من عليا، دخلت وشغلت النور، لقيت فستان باللون الأسود، وخمار كافيه جديد لايق على الفستان، وورد توليب اللي عمره ما فشل في إنه يخطف قلبي، وورقة.
"يمكن ظروف جوازتنا كانت مختلفة، بس إنتِ عارفة إني بحبك يا كيان، ومش هرضى أبدا إنك تكوني زعلانة، البسي ويلا عشان هننزل، يا أجمل حد في الدنيا وفي عيني وفي حياتي كلها."
ابتسامة، ضحكة، ضحكة حب، دقة بتعلن عن شيء، شيء هو مستنيه، شيء بحاول أداريه عني وعنه، أنا فرحانة، أنا مش متضايقة، أنا عايزاه يفضل موجود، هو أنا كدا أنانية؟ عايزاه موجود من غير ما أحبه؟ ازاي هيفضل معايا من غير ما أبادله نفس الحب؟ أنا خايفة من ايه؟ خايفة أحبه فيبعد عني؟ هيبعد زيهم، كل مرة بحب حد بيبعد عني وبيسبني لوحدي، بس هو غيرهم، هو بيحبني، هو اللي بادر بحبي مش أنا اللي بادرت، يا ترى فعلا بيحبني؟ ولا بيعطف عليا، نفضت كل الأفكار دي عني، قررت أستمتع باللحظة، باللحظة وباليوم، وبيه.

-دا أنا متجوز أجمل ست فعلا مش هزار.
ابتسمت ومردتش، مش بعرف أرد على الكلام اللي زي دا، الكلام بيختفي، الحروف بتتبخر، بس قلبي كان فرحان، ودقات قلبي دي رد على حروفه.
-تحبي تروحي فين؟
-‏هينفع نروح اسكندرية؟
-‏اسكندرية؟ ودلوقتي؟
-‏ليه لأ؟
ابتسم:
-‏بينا على اسكندرية.
فرحتي وقتها مكنتش سايعاني، الفرحة عندي مربوطة بالبحر من صغري، طفولتي معظمها قضيتها هناك، البحر وريحة اليود اللي بتفضل معايا وقت طويل، رذاذ البحر اللي بييجي على وشي، مهما كانت حالتي وحشة بمجرد ما بسرح في الموج بتخيلني فراشة، أو بنت صغيرة بتضحك وتلعب، كل الهموم بتتبخر، كل الزعل بيهون وبيروح، دايما كنت بتمنى حد يشاركني الليل، يشاركني هدوئي، يشاركني نفسي، ويشاركني نفسه.

-تاكلي درة؟
-‏مينفش نكون بنتمشى على الكورنيش من غير درة أكيد.

راح يجيبه وعيوني فضلت متحاطة بيه، هو ليه كويس معايا؟ ليه قابل كل دا؟ محدش يقدر يستحملني ويستحمل كل ما فيا كدا إلا لو كان فعلا..
-بتفكري في ايه؟
رديت بتلقائية:
-‏فيك.
ابتسم، وأنا اتخضيت وشرقت وفضلت أكُح كتير، وهو فِضل يضحك عليا، لا لا متضحكش يخربيت كدا.
-بتبصي كدا ليه؟
-‏متضحكش تاني.
رفع حاجبه:
-‏ليه؟
-‏ضحكتك وحشة.
ضحك:
-‏يا شيخة؟
ضحكت:
-‏جدا كمان.
مسك ايدي:
-‏كيان أنا هنا، معاكِ، مش هسيبك.
ميلت براسي على كتفه:
-‏شكرا إنك هنا، شكرا إنك موجود.
-هي مش وحشة زي ما إنتِ فاكرة يا كيان.
-‏مش عايزة أتكلم.
-‏بس أنا عايز أتكلم، أنا عرفت كل حاجة، وعد مسابتكيش، وعد بنتها ماتت يا كيان.
-‏ايه؟
-‏ماتت ومعرفتش حد، لأنها لسه مولودة ومستحملتش، بلاش تقسي عليها، إنتِ متعرفيش حاجة، أنا روحتلها وكلمتها، وهي محتاجة لوجودك معاها يا كيان، متخليش تفكيرك يخليكِ تكرهيها أو تشيلي منها، إنتِ مش شايفة الصورة الكاملة.
قومت بسرعة وجريت على العربية:
-‏يلا نرجع، أنا عايزة أروحلها.
هز راسه وركب وطول ما أنا في العربية كنت بعيط، أنا غبية، غبية ومش بشوف غير نفسي وبس، ازاي متوقعتش شيء زي دا؟ زي ما اديتهاش عذرها زي ما بعمل كل مرة؟ أنا زعلانة، ومازلت زعلانة، والزعل الأكبر دلوقتي هو من نفسي مش منها هي، زعل من نفسي وعليها.

-أنا آسفة حقك عليا.
قامت وحضنتني:
-‏أنا اللي آسفة إني مكنتش معاكِ.
عيطت:
-‏أنا غبية.
-‏عارفة، غبية وبتحبيني.
-‏وبحبك.
-‏وأنا بحبك.
ابتسمت:
-‏عارفة.
بصيت ناحية الباب لقيته واقف وساند ايده وبيبتسم وفي عيونه دموع، همست:
-‏شكرا.

دايما بستغرب العلاقات، علاقتك بأي شخص بتختلف من شخص للتاني، بتلاقي شخص تهزر معاه براحتك، وشخص تتكلم معاه برسمية، وشخص تعامله بوِد، وشخص تعزه، وشخص تاني غيرهم كلهم، مكانته مختلفة، مميزة، لأنه شخص مميز، مختلف عنهم كلهم.

-تيجي نتفرج على الفيلم دا؟
-‏تعرف إني بحبه جدا؟
-‏عارف.

-بص هو واللهِ ما كان قصدي بجد، يعني كان غصب عني، أنا عارفة إن دا ورق شغلك ومهم وكدا، بس واللهِ غصب عني، أنا آسفة.
-‏إنتِ بتعيطي ليه؟ يولع الورق المهم إنتِ الورق في منه نسخة تانية معايا، المهم متعيطيش ولا تزعلي نفسك كدا مرة تانية، فاهمة؟
مسحت دموعي وابتسمت:
-‏حاضر.

-كيان.
-‏نعم؟ مالك في حاجة؟
-‏تعبان، مش قادر.
اتخضيت وجريت عليه، حسست على دماغه لقيتها سخنة جدا:
-ياربي إنت لازم تروح للدكتور بسرعة.
-‏هاتيلي بس العلاج بتاعي اللي في الدرج وهاخده وهكون كويس، الدور دا بيجيلي كل فترة، هكون كويس.
عيوني بدأت تدمع:
-‏أنا مش عارفة المفروض نعمل ايه في المواقف دي، أنا أول مرة أتعرض لموقف زي كدا، أنا خايفة عليك أوي.
-‏اهدي يا كيان، اهدي هكون كويس.
حضنته وفضلت أعيط:
-‏متسيبنيش.
-‏أنا لو أعرف إن تعبي هيخليني آخد حضن زي دا كنت تعبت من زمان.
ضربته بخفة على كتفه:
-‏بعد الشر عنك، متقولش كدا.
-‏طب ايه؟ مش هتجيبي العلاج؟
-‏ثواني وهجيبه.
مسك ايدي:
-‏رايحة فين؟
-‏رايحة أجيب العلاج.
-‏لا ما خلاص أخدته.
ضحكت:
-‏غيث!
-‏بيحبك.
-‏وكيان كمان بتحبه.

"كنت أنا يومًا ما، لكن الآن كلي أنت."
#كيان_الغيث
#أروى_إيهاب

كيان الغيثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن