بصلي-آنسة كيان، دورك.
عدلت الكرسي بنظام، فتحت شنطتي وخرجت منها الكحول وحطيت منه على ايدي، كنت متوترة، وبهز في رجلي ومش عارفة أبطل، خايفة أتكلم أتلخبط، أو أقول حاجة بطريقة غلط.
-أنا مريضة وسواس قهري.
هدوء، كل الهمهمات سكنت، كل الأنظار كانت عليا، كنت خايفة أوي، أنقذني من كل دا منبه الموبايل، عشان دا معاد الدوا بتاعي.
مسكت الشنطة-أنا آسفة مضطرة أمشي.
رجعت بيتي، كنت طالعة على السلم، مقدرتش أمسك في الترابزين مع إن عندي عدم اتزان، وبعيوني لقيت عليه تراب، تراب!
حاولت أتنفس بهدوء خالص، قولت بصوت عالي:
-عم محمد، ياعم محمد.
-أيوة يابنتي نعم في حاجة؟
-فاطمة مجتش النهاردة ولا ايه؟
-لا والله يا هانم، هي تعبانة ومقدرتش تيجي تنضف.
-تعبانة!
ومين هينضف شقتي؟ نبضات قلبي كانت بتعلى بشكل مبالغ فيه، دخلت الشقة وهاجمني احساس وحش أوي، هي شقتي مش نضيفة كدا ليه؟
-عم محمد.
-أيوة ياهانم.
-هاتلي حد ينضف الشقة بسرعة.
-ماهي متنضفة أهي يا هانم، دي بتُبرق من النضافة كمان.
اتنهدت بيأس-تمام ياعم محمد اتفضل إنت.
شكله هيكون يوم متعب.
لبست الجوانتي، غطيت شعري بالبونيه، وكدا أكون جاهزة للمهمة، بدأت أنضف في الشقة زي ما فاطمة بتعمل كل يوم، أنا مش بقدر أقعد في الشقة من غير ما تتنضف، بحس بخنقة رهيبة، وبحس إن الشقة فيها تراب لمدة كبيرة وكأنها متفتحتش من سنين.
خلصت بعد حوالي ساعتين، دخلت استحميت بسرعة عشان ملوثش الشقة مرة تانية، خرجت وبدأت أجهز الأكل بنفسي، أكلت وغسلت ايدي 3 مرات زي ما أنا متعودة، بصيت لايدي وملست عليها، جلدي حسيته بدأ يجعد، بنت العشرينات جلدها بيجعد؟ حاولت مفكرش كتير وخرجت من المطبخ بصيت للشقة براحة، أخدت الدوا بتاعي بعدين سمعت صوت الجرس وروحت عشان أفتح.
-واحشاني واحشاني واحشاني.
ابتسمت-إنتِ أكتر واللهِ.
كانت لسه هتخش منعتها-ايه هتخشي بالشوز لا ايه؟ اقلعيها وحطيها في الجزامة برا.
-لسه متغيرتيش يا كيان؟
-وإنتِ لسه متعودتيش يا وعد؟
-بتروحي الجلسات.
كدبت-أيوة بروح كل يوم.
-الدكتور كلمني وقالي إنك أول مرة تروحي النهاردة.
مسكت ايدي، فسحبتها منها بسرعة-عن اذنك، ثواني وراجعة.
روحت أغسل ايدي، كنت بغسلها بعُنف، دموعي كانت بتنزل بدون إرادة مني، أنا تعبت، تعبت مني أوي، أنا مش فرحانة بنفسي كدا، نفسي أعيش عيشة طبيعية، مفضلش خايفة من المرض، مش يمكن مع كل احتياطاتي دي أتعب بردو؟ ربنا لو عايزني أتعب هتعب غصب عني، يبقا ليه كل اللي بعمله دا؟-المرة اللي فاتت الوقت مسمحلكيش يا آنسة كيان إنك تتكلمي، دلوقتي مفاضلش غيرك هنا، هتقدري تتكلمي دلوقتي؟
هزيت راسي وسكت، أخدت نفس عميق وخرجته بهدوء-اسمي كيان عندي 24 سنة، مريضة بالوسواس القهري لدرجة كبيرة، باخد بالي من التفصيلة الصغيرة قبل الكبيرة، لو في ذرة تراب واحدة في شقتي بقلب الدنيا، باكل بمقدار محدد وبنام بمعاد معين، بخرج من شقتي وبرجعلها بمواعيد، الدوا بمواعيد الزيارات بمواعيد، حياتي ماشية بالساعة بمعنى أصح، ومنظمة جدا، منظمة لدرجة إن أي حد بيدخل شقتي بيحسدني عليها، وإنها قد ايه جميلة وكل حاجة مترتبة وفي أماكنها الصح، بس.. بس أنا تعبانة، أنا من جوايا مرهقة، أنا تعبت من كل دا، وللأسف مش عارفة أبطل، دايما خايفة أتصاب بأي ميكروب أو ڤيروس، دايما بروح لدكتور كل شهر وأتابع معاه حالتي، دايما بفكر في كل حاجة، بفكر ايه هيحصل بكرا أو بعد أسبوع أو شهر أو سنة، دايما بفكر، حتى وأنا نايمة وبحلم بفكر، أحلامي كلها بتكون إني بنظم حساباتي وكل حياتي، والغريب إني بصحى من النوم فاكرة الحلم بتفاصيله، ويمكن أقول كمان كنت حاطة مانيكير لونه ايه في رجلي، بس أنا تعبت، بقيت مُرهقة، نفسي أعيش حياة طبيعية، ما أنا بردو رغم كل الخوف والقلق والرعب دا بتعب بردو، ويمكن بتعب بزيادة كمان، أنا بس نفسي أتعالج، نفسي مفكرش في حاجة، نفسي أحط راسي على المخدة أنام بدون ما أعمل حساب لبكرا، بدون ما أفكر في أي شيء، أعيش اللحظة بلحظتها واليوم بيومه.
مسحت دموعي وسكت، كنت حاسة بالكلام بيخرج من قلبي، مش مترتب ولا متظبط بس كنت حاسة إني خرجت كمية كبيرة من الحزن اللي جوايا.