بعصبية-ماما فين شنطة المكياچ بتاعتي؟
-يابنتي مبدخلش أوضتك أصلا دوري عليها عندك ولا شوفي إنتِ حطاها فين
اختفت يعني كدا لوحدها؟ وجاية تختفي وأنا متأخرة على الشغل النهاردة، والمدير مابيصدق يلاقي غلطة عليا أصلا
عشر دقايق وكنت زهقت، بصيت لنفسي في المراية، أكيد مش هخرج من غيره أكيد، لقيت اللي كنت محتاجاه من الشنطة مرمي على الأرض جمب السرير، اتنهدت براحة وخلصت بسرعة وروحت الشغل
كان في حركة غريبة في الشركة، الكل بيعمل بنشاط غير مسبوق بالمرة وكلهم بيتوشوشوا والوضع مريب فعلا
-هو ايه الحكاية يا وعد في ايه؟
-المدير تقريبا كدا راحت عليه وطلع على المعاش
-فجأة كدا؟
-ومش بس كدا دا ابنه كمان هو اللي هيستلم الشغل بالنيابة عنه
-يعني ياربي أخلص من الأب يطلعلي ابنه
ضحكت-دا إنتِ بنات الشركة كلهم مش هيرحموكي
-ودا ليه إن شاء الله؟
-أصله حلو، حلو أوي أوي كمان
-حلو!
أيوة ولو حلو يعني فيها ايه مش فاهمة
روحت مكتبي، وخمس دقايق ولقيت الجرس بيرن، استرها عليا يارب ويارب ميكونش زي باباه، إن شاء الله مش زيه إن شاء الله
خبطت على الباب ودخلت لما سمعته قال اتفضل
هما مكنوش بيبالغوا لما قالوا إنه حلو، حلو ايه دا بس ياربي، ايه الكيكة دي؟
كان ماسك ملف في ايده-آنسة كيان مش كدا
باستخفاف-هي صورتي مش في الملف ولا ايه يافندم
حسيته اتعصب-المفروض إنك السكرتيرة وإنك كنتِ قريبة للباشا الكبير مش كدا؟
-دا المفروض يعني
-هو إنتِ ردودك كدا دايما؟ أنا مينفعش معايا الطريقة دي، التزمي حدودك، أنا مش واحد صاحبك عشان تتعاملي معايا بالطريقة دي، أنا عايز ملفات كل الموظفين هنا حالا، اتفضلي
هو ماله دا بيتحول كدا ليه؟ بس صراحة ليه حق أنا زودتها سيكا، كنت فاكرة إن الطريقة دي هتمشي معاه زي ما كانت بتمشي مع باباه، شكلنا هنكتشف حاجات كتير لسه
-اتفضل دي كل الملفات اللي حضرتك طلبتها، أي أوامر تانية؟
ابتسم-لأ شكرا، تقدري تتفضلي تشوفي شغلك
طلع بيبتسم زينا الحمدلله ومش ڤامبير زي باباه، الحمدلله اطمنت على مستقبلي
أيام طويلة عريضة بتعدي زي بعضها وكل مدى بكتشفه أكتر، مثلا هو مش عصبي زي باباه، هو بيتعصب لما حد يتعصب في بيبقوا اتنين عصبيين قصاد بعض وعينك ما تشوف إلا النور
-أيوة يعني ازاي حضرتك جاي تلغي الصفقة في آخر لحظة وبعد ما كل طلباتك اتنفذت ببرود كدا؟
-غيث بيه الأمور دي مش بتتاخد كدا، احنا كان لينا بنود واضحة، اتنفذت آه، لكن احنا اتراجعنا ومش هنتمم الصفقة دي، وأي شرط جزائي حسابات شركتنا مسئولة عنه
خبط بايده على المكتب-شرط جزائي ايه دلوقتي، يعني بعد ما موظفيني يتعبوا ليل نهار عشان ينفذوا شروط شركة سعادتك اللي هي تعتبر شروط تعجيزية أصلا ببساطة كدا تنهوا الصفقة؟ دفعلكوا كام؟
اتوتر-ايه دفعلنا كام والشغل البلدي دا حضرتك احنا شركة محترمة ومينفعش تقول كدا
وبعد نقاشات طويلة فعلا خسرنا الصفقة، واللي فهمته من الاجتماع دا إن في منافس لمستر غيث وحابب يخسره شغله مهما حصل، وحقيقي اتضايقت جدا عليه لأنه ميستاهلش، وهو لسه بردو في بداية مسيرته المهنية وأي دروب هيأثر عليه
-كيان في ايڤينت مهم للشركة في اسكندرية، تقريبا كدا والله أعلم هتضطري تسافري مع مستر غيث بما إنك السكرتيرة بتاعته وكدا
-تمام يا وعد شكرا إنك عرفتيني
الجرس رن ودخلت
-طبعا أكيد آنسة وعد عرفتك إنك هتيجي معايا الايڤينت
-أيوة يافندم قالتلي
-تمام في عربية هتعدي عليكي بكرا الصبح بدري ياريت تكوني جاهزة
-بكرا!
-اه في مشكلة؟
-لا ولا حاجة بس هو ينفع أمشي دلوقتي عشان أعرف أهلي وأظبط أموري
-تمام تقدري تتفضلي
الشيء المُفرح في الموضوع إني هكون في اسكندرية، اللي هو أحب مكان لقلبي، نمت والصبح صحيت وجهزت ولقيت رسالة من مستر غيث على موبايلي إن العربية اللي واقفة تحت بيتي، نزلت على طول وكان هو راكب عربيته قدام العربية اللي هركبها وابتسملي ومشينا بعدها
كل حاجة تمت بخير، وكان آخر يوم لينا في اسكندرية هناك، قولت هستمتع بيه بقا مبدهاش يعني، لكن في آخر لحظة مستر غيث عزمني على الغدا، ولسذاجتي وافقت
كان مكان أقل ما يُقال عنه إنه جميل، جميل دي كلمة قليلة أوي عليه والله
بعدها قولتله إني هستأذن منه وهتمشى على البحر وقالي إنه حابب يكون معايا، لوهلة حسيته مش مستر غيث نهائي وإنه شخص تاني لطيف، لطيف وحلو!
فجأة الدنيا وقفت، ذكريات دايما بكافح إنها تتمحي من دماغي لكن في لحظة واحدة كل حاجة رجعت تاني مجرد ما لمحته
بصراخ-لأ لأ لأ
الدنيا اسودت من حواليا، مفوقتش غير وأنا في المستشفى، اتخضيت وقومت فجأة من على السرير، خوفت حد يعرف، يعرف السر اللي بخبيه معايا من صغري، كان في مراية صغيرة جمبي اخدتها وأنا بتأمل ملامحي، اتنهدت براحة لما لقيتني زي ما أنا، الباب خبط وكان مستر غيث، كان متوتر وخوفت يكون عرف، لكنه متكلمش ودا زاد من خوفي أكتر
-إنتِ كويسة دلوقتي؟
-اه، اه الحمد لله أحسن
-هو مين أحمد دا اللي كنتي بترددي اسمه؟
قومت من على السرير-أنا عايزة أروح من فضلك
معرفتش أفسر نظراته ليا دي كانت ايه، خوف ولا شفقة ولا حزن
رجعنا الشركة تاني وأنا بحاول أتجنبه، خايفة منه، أنا بخاف من كل الناس عموما، حياتي مقفولة عليا لوحدي، مبقتش أسمح لحد يمس قلبي تاني، مش عايزة حد يكسر قلبي تاني
كنت بدخل ملف لمستر غيث وكنت لسه هخرج لما اتكلم
-كيان، ممكن نكون صحاب؟
بصتله بصدمة وسكت، هو بيهزر يعني ولا بيختبرني ولا قاصد يربكني؟
-لو مش موافقة تمام، تقدري تتفضلي
حسيته زعل، ومش عارفة ليه محبتش أزعله
-لا أنا مقصدش والله، بس أنا عمري ما صاحبت حد ولا كونت صداقة مع حد قبل كدا، وافتكرت حضرتك بتهزر بس
-وأهزر ليه، احنا مش هنتخطى حدودنا متقلقيش، أنا كنت حابب بس نشيل الحدود اللي ما بيننا مثلا نتغدى سوا في الشركة هنا بردو قدام الكل عادي مش هيكون في خلوة يعني
ابتسمت وفرحت إنه خايف على منظري قدام الناس، وإنه عارف الصح كويس
علاقتنا اتطورت، حسيته بيدخلني في تفاصيل يومه، أكتر حاجة بتخطف قلبي إن حد يشاركني تفاصيله، بحس إني شخص مهم عنده لدرجة إنه يحكيلي عنه وعن حياته، كنت بمنع نفسي إني أقع فيه وفي ابتسامته وضحكته وغمازته، كنت بمنع نفسي لأن المرة دي مش هسمع للوجع يتملك مني تاني
بس قررت أكشف حقيقتي ليه، حبيت أشوف رد فعله، هل هيهرب زي اللي قبله ويكسرني؟
كانت أول مرة محطش مكياچ من سنين، كنت اتفقت معاه إننا نتقابل عن الكورنيش، روحتله وكان واقف مستنيني، وابتسامة على وشه متشالتش!
-مش هتقول حاجة؟
-أنا عارف، عرفت يوم ما أغمى عليكي لما كنا في اسكندرية، لما شيلتك كم فستانك اترفع وشوفت ايدك، ودا مش شيء وحش عشان تداريه، ربنا ميزك بيه عن غيرك
ضحكت باستهزاء-بتقول كدا شفقة صح؟ أنا مفيش حد عرف إن عندي بُهاق إلا وسابني وهرب، بيفتكروا إني نحس ونذير شؤم عليهم وعلى حياتهم، من صغري وأنا دايما بتعرض للتنمر، من صغري وأنا بقيت بداريه عشان أمنع عيون الناس عني، نظرة عيونهم بتقتلني، حتى الشخص الوحيد اللي قلبي دقله لما عرف سابني، بكل بساطة الدنيا سابني، سابني عشان قالي إن شكلي وحش وإني مسخ، كسر قلبي وراه وسابني ومشي، مقدرتش أشوفه يومها، كل كلامه اللي حاولت للمرة المليون أتخطاه وأتجاوزه اتعاد قدامي بتفاصيله، وجعني أوي وجعني وسابني ومشي
كنت بعيط، بعيط كل عياطي المحبوس جوايا من يوم ما سابني ومعرفتش أخرجه، بعيط كل وجعي وكل كسر في قلبي من الناس، الناس وحشة، العالم مؤذي بطريقة بشعة
-لازم تعرفي إنك مش وحشة، إنتِ جميلة جدا يا كيان، جميلة بقلبك وبروحك وبشكلك، ربنا ميزك بشكلك عن غيرك، كلنا مميزين عن بعض، لكن إنتِ ربنا خلاكي مميزة بطريقة تبهر عقل أي حد، أي حد قالك الكلام دا عنده نقص، فاكر إن الشكل هو كل حاجة، ناسي إن ربنا عمره ما خلق حاجة وحشة، حبي نفسك إنتِ الأول عشان تحسي بحُب الناس ليكي
أول مرة أحس إن الكلام بيشفي، اليوم دا وقفت قدام المراية أكتر من ساعة بتأمل نفسي وببتسم، عيوني ملونة، عندي خدود، بشرتي إلى حد ما بيضا، هو أنا ليه عمري ما شوفت نفسي حلوة؟ أنا فعلا حلوة، هو الكلام بينور كدا؟ انا حاسة إن في نور طالع من وشي بجد، ضحكتي اللي بقالي كتير مشوفتهاش خطفت قلبي، هو أنا بضحك بالشكل دا كدا؟ أنا جميلة كدا فعلا وربنا خالقني وحاطط فيا الجمال دا كله فعلا؟
ربنا خد مني حاجة ورزقني بحاجة تانية، كلنا متساويين في أرزاقنا، باختلاف نوع الرزق اللي ربنا وضعه ليا زيادة عن غيري أو أقل من غيري، كلنا لازم نكون راضيين عن نفسنا، كلنا حلوين، كلنا ملامحنا جميلة، لكن احنا اللي بنغمي عيوننا عن نفسنا
كان أول مرة أنزل الشغل بشكلي الحقيقي، كنت حساني جميلة، أكتر حد جميل ربنا خلقه، كانت عيون الناس محاوطاني لكن محبتش أشغل دماغي بحد، أنا فعلا مميزة عن غيري
مستر غيث كان واقف قدام مكتبي، ابتسامته كانت بتوسع أكتر وأكتر لما شافني، بادلته بابتسامتي أنا كمان
-أنا حقيقي مش عارفة أشكر حضرتك ازاي، وازاي كلامك فرق معايا أوي، مش عارفة حقيقي أردلك الحاجة الحلوة اللي عملتهالي وإني حبيت نفسي من كلامك، حقيقي بشكرك أوي
-طب ما تتجوزيني كرد للشكر دا
-نعم!
-ايه طلبي مرفوض؟
ولأن مفيش حد شافني على حقيقتي غيره، ومفيش غيره اتقبلني، ومنكرش إن قلبي اتحركله، قررت أدي لقلبي وقلبه فرصة
ابتسمت-طب قولي هتشرب القهوة بملح عادي؟
"كنت أنا يومًا ما، لكن الآن كلي أنت."
#أروى_إيهاب