-هتفضلي معلقة نفسك بحبال دايبة في هواه كدا كتير؟
-....
-ردي عليا أنا بكلمك.
بصيت ليها بلا مبالاه بقِت كاسية ملامحي من ساعة آخر لحظة لُقا، بصيت لها ومتكلمتش.
قربت مني وقالت بنبرة كلها حزن:
-فين كيان؟ خبتيها جواكِ ليه؟ أنا عايزة كيان التانية، دي مش كيان، لا كانت ولا عمرها هتكون كيان أبدا.
دمعة من عيوني نزلت وخانتني زي ما دايما بتخوني وبتنزل، زي دايما ما كنت مش بعرف أتحكم في نفسي، هو ليه مشي؟ ليه مفضلش؟ ليه محبنيش؟ هو أنا مستاهلش أتحب؟
-تستاهلي، واللهِ تستاهلي كل الحب يا كيان، لكن هو اللي ميستحقكيش، ميستحقش قلب زي قلبك واللهِ ولا يستحق رقتك، ولا يستحق دمعة واحدة من عيونك، ولا يستحق حبك ولا حزنك عليه أبدا، كيان تستاهل الأحسن والأحسن دايما.
بتطبطب على روحي من جوايا، بتلمس جروحي وبدل ما أتألم بتخلي الوجع يخف، لكن مش كل وجع بيروح بلمسة، ومش كل وجع بيروح بطبطبة، لكن ممكن الوجع يروح بلحظة لُقا تحيي فينا اللي مات من زمان.
افتكرت ذكرياتنا زمان، كان دايما قريب مني، كنت أنا أقرب حد لُه، ومع ذلك أبعد شخص عن قلبه، قلبه عمره ما التفت ليا من الأساس، لكن هو كان معاه حق، يمكن أنا العيب فيا، أو بمعنى أصح نصيبنا مش ممكن إنه يجمعنا سوا.
-أنا مسافر.
-ترجع بالسلامة يارب.
-أنا هستقر في المكان اللي هسافر لُه.
-يعني ايه تستقر؟
-يعني مش هرجع مصر تاني.
-إنت بتتكلم بجد؟
-تعبت يا كيان تعبت مش قادر أفضل هنا.
-طب وأنا؟
-إنتِ هتفضلي زي ما إنتِ يا كيان، مكانتك جوايا وحبي ليكِ ثابتين مش بيتغيروا.
-هو إنت محبتنيش ليه؟
-حبيتك يا كيان، حبيتك واللهِ بس مش الحب اللي إنتِ عايزاه، إنتِ أرق من إني أقربلك فأجرحك أو أخسرك.
-امشي يا غيث، امشي مترجعش تاني.
قلبه قِسي عليا أوي، غيابُه طال وكل مدى بيطول أكتر، غيابه بياكل في قلبي واللهِ، فراقه عندي مش هين، الأيام بتجري وعمري بيخلص وهو لسه مخطفش منه ولو ثانية يكون فيها معايا دايما، عمري ما هسامحه على وجع قلبي دا، بس ممكن أحن عليه، أحبه من أول وجديد، بس لو يرجع، لو يرجع.
-هتمشي وتسيبني في يوم؟
-مش عارف.
-ليه مش عارف؟
-لأني مش ضامن نفسي ساعتها.
-طب ما تضمن وجودك بنفسك.
-مقدرش يا كيان مقدرش.
-ليه؟
-لأني موجوع، طالع من تجربة بشعة، خسران فيها كل ما أملك، يدوبك خرجت منها وقلبي سليم، أو يمكن يبان إنه سليم لكنه مش كدا أبدا، مش هخاطر بالحاجة الوحيدة السليمة فيا عشان أدخل علاقة جديدة مش عارف نهايتها هتكون ايه وازاي، مش هقدر أخسر نفسي بايدي وأقول ياريتني ما عملت كدا، أنا عارف إنك بتحبيني وأنا كمان بحبك، لكن حبك ليا مش كافي لينا احنا الاتنين، حبك كبير عليا أوي يا كيان ومستحقهوش أبدا.
مين كان قال إنك متستحقهوش؟ من قال إنك متستحقش الحب؟ دا إنت أكتر حد يستحقه، أكتر حد يستحق قلبي وحبي، وحبي كان يكفينا يكفينا جدا كمان، لكن إنت ضعيف، اختارت الهرب عن المواجهة، اختارت البعد عن كل حد تعرفه، اختارت الوحدة لحد ما هيكون قلبك هو الوحيد الفعلي.
-مش ناوية تحبي؟
-ما أنا بحب فعلا.
-كيان متعصبنيش.
-ماشي، امشي يا وعد من هنا.
-مش همشي، هتفضلي قافلة قلبك عليه كدا؟
-آه.
-مبسوطة بنفسك وإنتِ كدا؟
-جدا.
-واللهِ؟
-وعد ياحبيبي الحب مش زرار ندوس عليه نروح نحب، وإني معدش أحب حد دا بايدي بردو، الخلاصة إن قلبي متعلق بين حروفه، ابتسامته، كلامه، رقته معايا، قسوته عليا في البعد، لكن قلبي عمره ما قِسي عليه ولا كرهه، أنا قلبي بس زعلان منه.
لفت وشها بعيد عني وقالت:
-غيث مسافرش أصلا يا كيان.
-يعني ايه؟
-غيث طول السنتين كان في مصر، غيث بِعد عنك مش لأجل إنه مبيحبكيش، بِعد عنك عشان أهلك هددوه بإنهم ينهوا حياته لو قرب منك، كانوا فاكرين إنه عايز فلوسك وكل شيء معاكِ، وعشان ميشوفكيش بتتقارني بينه وبين أهلك قرر يلعب هو دور الشاب الندل اللي بيسافر ويسيب حبيبته لأجل بس إنك تكرهيه وتنسيه، لكن واضح إن العكس هو اللي حصل.
-إنتِ بتقولي ايه؟ وازاي عرفتي كل دا من الأساس؟
-شوفته امبارح صدفة في كافيه، مكنتش مصدقة إن هو، لكن هو اللي شافني وفضل باصص عليا مدة، ومقدرتش أتمالك نفسي وروحت كلمته وفهمت منه كل شيء.
إنك تكتشف إنك كنت عايش سنين في وهم، وفي لحظة الوهم يتشال من قصاد عيونك بتحس قد ايه إنك مغفل وسهل يتضحك عليك، سهل تتخدع في ناس كتير، يمكن الناس دول كمان أقربلك من أي حد، يمكن يكون الناس دول هما أهلك في الأساس، وأهلك هما سبب حزنك وتعاستك.
قررت أروحله، قررت أبادر لمرة أخيرة، قررت أحاول من جديد، لأن كل أفكاري واعتقاداتي اللي عشت ببنيها اتهدمت في لحظة، مكنش ليها أي أساس من الصحة، مكنش ليها سبب، كنت مجرد أوهام واتبخرت في لحظة، اتبخرت بشوية كلام في دقيقة أو اتنين، اتبخرت وحل محلها احساس باللهفة والحب وبس.
-مش كفايانا بُعد وهجر لبعض بقا؟
وقِف بخضة وقال:
-كيان!
-ايه كنت مستني حد غيري؟
-إنتِ بتعملي ايه هنا؟
-أنا هنا في مكاني اللي مفروض أكون فيه، إنت بقا حابب تكون في نفس المكان ولا هتسيبه وتمشي زي زمان؟
-إنتِ واعية للي بتعمليه وبتقوليه؟
قعدت على كرسي وقولت:
-جدا جدا كمان، ها مقولتليش هتعمل ايه؟
-أعمل ايه في ايه؟ أنا مش فاهم حاجة.
-ببساطة أنا تعبت، وإنت زيك زيي، فنحط تعبنا على بعض ونحاول نداويه سوا.
-كيان مش هينفع اللي إنتِ عايزاه دا.
-هتفضل طول عمرك جبان وخواف كدا؟ مش حابب تواجه دنيتك ومشاكلك؟ هتفضل تتخلى عن كل شيء في حياتك دايما بالشكل دا؟
-خايف أواجه أخسرك.
-وإنت مكنتش خسرتني زمان؟ عايز تخسرني للأبد بقا؟ ولا أنا أصلا مش مهمة عندك.
-مهمة يا كيان، مهمة وطول عمرك مهمة، وطول عمري بحبك، مكنش في حد قبلك من الأساس، كانت دي مجرد حكاية عشان أقدر أمشي وأنا حاسس إنك هتسامحيني، كنتِ إنتِ الأولى ومكنش في غيرك أصلا، لكن الظروف منعتني.
-والظروف دي هتفضل مانعاك دايما؟
-مش عارف.
قومت وقفت بانفعال وقولت:
-تمام لما تبقا تعرف ابقي انسى إن كان في حد في حياتك باسم كيان.
مشيت وأنا عارفة إنه مش هيخليني أمشي، مش هيسمح ليا أنهي كل شيء في لحظة، أنا فاهمة وعارفة سبب خوفه، لكن دا كله مش مبرر، مش مبرر أبدا.
-كيان استني.
وقفت وداريت ابتسامة كانت هتظهر على ملامحي.
-متمشيش.
-ليه؟
-عشان مش عايزك تمشي، عشان عايزك تفضلي هنا على طول، عشان دا مكانك، مش دا كلامك بردو؟
-وايه يضمنلي إن المكان دا عايزني من الأساس.
-يمكن عشان بيحبك وعايزك تفضلي معاه للأبد؟
-وافرض المكان دا مش صادق في مشاعره.
-كيان بلاش لف ودوران كلنا عارفين إني بحبك وإنك بتحبيني، وأنا مش هسيبك تاني، كفاية السنين اللي ضاعت من غير وجودك معايا.
ضربته في كتفه وقولت:
-ما كان من الأول يا راجل تعبت قلبي."كنت أنا يومًا ما، لكن الآن كلي أنت."
#كيان_الغيث
#أروى_إيهاب