حكاية 65

45 5 0
                                    

-ممكن تهدي؟ كل حاجة هتتحل واللهِ.
اتكلمت وسط عياطي:
-أنا مش عارفة هما ليه بيعملوا فيا كدا، مش عارفة ليه خلوني كدا أصلا، أنا مش عارفة حاجة، أنا مش عارفة ولا فاهمة حاجة وتعبت، مش قادرة تاني، مش قادرة أكمل تمثيل.
-كيان اهدي، أنا هنا، معاكِ ومش هسيبك.
صوتي عِلي:
-أنا مش عايزة ولا محتاجة حد، سيبوني في حالي بقى.

وقعت على الأرض وحضنت نفسي وكملت عياط، شعور مؤسف وحزين ومفيش مبرر ولا وصف ليه إنك تتخذل من أقرب الناس ليك، وخاصة لو الناس دي أهلك، وخاصة لو إنك بتتعرض للخذلان كل لحظة وثانية ودقيقة، ولكل يوم، ولكل أسبوع وشهر وسنة، لحد ما بقى عمرك كله عبارة عن خذلان.

-مزعلة غيث ليه يا هانم؟
رفعت راسي ناحيتها، بصيت في عيونها ودققت فيها، حاولت أشوف فيها نظرة حب، عطف، أوي حتى شفقة، لكن نظرتها كانت عبارة عن لوم، وعتاب، نظرة مفيش فيها حب ولا اهتمام، تخيل تكون والدتك مصدر الأذى النفسي ليك، بتعاملك وكأنك شخص عادي، أو حتى أقل من العادي، وكأنك.. وكأنك مش ابنها.
-ردي عليا لما أكلمك، ولا خلاص مبقتيش تعملي اعتبار وقيمة لحد.
-مشكلة خاصة بينا، ويا تتحل بيننا، يا كل واحد يروح لحاله.
زعقت:
-وعايزة الناس يقولوا عليا أنا وأبوكي ايه! عايزة الناس تاكل وشنا ويقولوا بنتهم معيوبة وعريسها سابها بعد ما كتبوا كتابهم!
ابتسمت، ولأول مرة أتوقع شيء ويحصل فعلا، كنت كل مرة بتوقع منها حب واهتمام، لأجل إني بنتها مش أكتر، لأجل إنها بتحبني فعلا وخايفة عليا، مش عشان منظرها وهيبتها والقيل والقال، لكن ولأول مرة أتوقع ردها ويكون هو الرد المعتاد فعلا.
مفكرتش فيا، أسبابي، راحتي، سعادتي، نفسيتي اللي هما السبب في إنها متدمرة، حياتي اللي واقفة، ودنيتي اللي ماشية من غير ما أمشي معاها، كل شيء بيتحرك وأنا اللي واقفة مش بتحرك، واقفة ساكتة وهادية، واقفة محتاجة حد يمسك ايدي ويشدني معاه، محتاجة ايد تنقذني، حتى غيث.. حتى هو مكنش ليا الحرية في اختياره.

-قومي اطلعي كلمي جوزك.
اتنفضت بمجرد ما قالت الكلمة، جوزي! هو فعلا أنا خلاص بقيت متجوزة!
قومت ورغم إننا كاتبين الكتاب إلا إني لازم ألبس حجابي كامل.
كنت واقفة قدام المرايا بتأمل نفسي، ومع كل دبوس بثبت بيه خماري كان جزء منه بيدخل في جسمي، لكن وقتها مكنتش بتألم، مكنتش بحس بألم، واقفة وببص لنفسي بكل هدوء، وكأني بتأمل صفحة لونها أبيض، وكأن اللون الأبيض حواليا من كل مكان.
هدوء، سكون، ورغم أصوات عقلي العالية إلا إني مكنتش سامعاها، كنت حاسة بهدوء، مكنتش سامعة صوت ماما ورايا وهي بتتكلم، شايفة حركة شفايفها وبس، مش سامعة شيء، ولا حاسة بشيء، غير إني بتمنى أكون أنا، بتمنى أبقى كيان.

-إنتِ كويسة؟
-هو ايه اللي حصل؟
بصيت حواليا لقيتني في أوضتي، والأوضة كلها متبهدلة، وكل شيء متكسر، والهدوم واقعة على الأرض، بصيت لنفسي لقيتني متعورة في ايدي كتير، بصيت ناحية ايدي التانية وغيث كان ماسكها ودمعة واقعة على ايدي، هو كان بيعيط بجد!
-هو حصل ايه؟ أنا مش فاكرة حاجة!
ماما اتكلمت وهي بتخرج هي وبابا من الأوضة:
-دي شكلها بتتدلع كعادتها، وعايزة تتهرب من مسئولياتها.
غيث رد على سؤالي وكأن مفيش حد غيري سمعها:
-احنا لقيناكِ فجأة بتصرخي وبتكسري في كل حاجة حواليكِ، حاولنا نهديكي لكن مفيش شيء قِدر يخليكِ تهدي، لكنك فجأة أغمى عليكِ، إنتِ بجد مش فاكرة أي حاجة؟
ضحكت:
-عايز تقنعني إن أنا اللي عملت كل دا؟ وإن...
-وإن ايه؟
عيوني اتملت دموع، صوتي مكنش راضي يخرج، ولكن كنت حابة أتكلم، مكنتش هعرف أسكت:
-وإن محدش من أهلي كان بيحاول يتخلص مني؟
سكت ومردش، وبعد حوالي خمس دقايق سكوت مسك ايدي واتكلم:
-قومي معايا.
-أقوم معاك فين؟
-ينفع متسأليش؟ أنا أكيد مش هضرك يا كيان.
-حاضر.

كيان الغيثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن