-وإنتِ كواحدة ست ايه يجبرك إنك تبقي لابسة الشوال دا طول عمرك.
-شوال!
وعد مسكت ايدي:
-اهدي يا كيان، اهدي ميقصدش أكيد.
رديت باندفاع:
-الشوال اللي حضرتك بتتكلم عنه دا هو اللبس الشرعي لكل ست.
-وليه الست تفضل تداري في نفسها ورا حتة قماش، بتخاف؟
-لا واللهِ مش بتخاف، أنا عارفة إني أحلى باللبس الضيق، عشان كدا بلبس واسع، عارفة إني أحلى بالميك أب، عشان كدا مش بحطه، عارفة إني أحلى بشعري، عشان كدا لابسة حجاب، عارفة إن أكيد شكلي أحلى لو بينت جزء من شعري، عشان كدا مش ببينه، عارفة إني أحلى بالبناطيل، عشان كدا مش بلبسها، عارفة إني أحلى بالطرحة عشان كدا لابسة خمار، أو شوال على رأي حضرتك، مفاتني وأي شيء خاص بيا مش ملكية عامة يا أستاذ عشان أخلي اللي رايح واللي جاي يبص عليا، حرام إني ألفت الأنظار ليا، أنا واحدة راضية بنفسها، بطبيعتها اللي ربنا خلقها بيها، إنت ليه جاي تطلع عيوبك عليا؟صوت صرصور الحقل؟ سكت مردش؟ ورجالة تانية بدأت تناقش مواضيع تافهة مع باقي التيم، وهو استأذن ومِشي، لكن قبل ما يمشي عيوني اتجرأت وبصت تجاه عيونه بالظبط، حسيت فيها بدموع، ونظرة أسف قدرت ألمحها، لكننها أكيد مش هتشفعله غلطه بالكلام اللي قالُه دا أبدًا.
-غيث طالب يقابلك.
-غيث مين؟
-غيث اللي..
-اللي ايه؟
قالت بسرعة وهي بتخرج من الباب:
-اللي كان بيتناقش معاكِ في الندوة.
قولت بصوت عالي عشان تسمعني وترجع بعد ما خرجت:
-خدي تعالي هنا.
-أنا مليش ذنب واللهِ يا كيان.
-عايز يقابلني ليه؟
-مش عارفة، بس بيقول شيء ضروري.
-ييجي يقابلني هنا، زيه زي أي متبرع ولا هو جاي لغرض تاني إن شاء الله؟
-غرض تاني ازاي؟
-جاي يكمل كلامه اللي بيحرق دمي.
غمزت وهي بتخرج:
-مظنش.هي بتغمز ليه وعد الهبلة دي؟ يارب خيب ظنها السوء دا يارب عشان مخليش حياتها تسوء على ايدي يارب.
-أوامر حضرتك؟
-الأمر لله.
-المفيد؟
-أنا آسف.
اتخليت عن طريقة الهجوم، رجعت بضهري لورا، مكنتش متوقعة الرد حقيقي، مكنتش متوقعة أبدا.
-طريقتي كانت غلط، أسلوبي مكنش أسلوب ينفع للحوار أبدًا، أنا مش عارف كنت بهاجمك كدا ليه، يمكن لأني..
-لأنك؟
-لأني اتخدعت.
انتبهت أكتر، قِدر يجذبني لحواره بشكل كبير:
-اتخدعت ازاي؟
بص قدامه، لمكان غير محدد، بنظرة غير مفهومة، لكن اللي لمحته فيها الدموع، أكيد في سبب قوي ورا الحاجز الكبير الصلب، أكيد في طفل مخدوش وراه، في شخص اتأذى من شخص كان بيعني لُه كتير أوي.
-كانت خطيبتي، أو بمعنى أصح مراتي، كان مكتوب كتابنا بس، هل ينفع أحكي؟ ولا وقتك ميسمحش؟
سندت بوشي على ايدي:
-الوقت متاح، اتفضل كمل، حابة أسمع.
-كانت مختمرة، كانت جميلة، محاطة بهالة تخلي أي حد يلمحها يبعد عنها، مش لأنها تخلي الواحد ينفر منها، لأ إطلاقًا، لكن خوف من الواحد إنه يأذيها ويلوثها، إنه يخترق الهالة دي ويحولها لهالة سودا ملهاش قيمة، بل قيمتها إنها هتخلي الكل ينفر منها لسوءها وعيوبها، حبيتها، حبيتها أوي، كافحت نفسي وظروفي وكل حاجة كانت عائق بيني وبينها، واتقدمتلها، كانت بتقول إنها بتحبني، صدقتها، وثقت فيها وآمنت لقلبي وحبي ليها، لكنها..
-لكنها مطلعتش قد الثقة، خذلتك، واتخلت عنك.
ابتسم ابتسامة حزينة تدل على عمق الوجع:
-ياريتها جت على قد كدا.
أخد نفس كبير وخرّجه ببطء شديد، أظن كان بيتفنن في إنه يجذب فضولي أكتر وأكتر، لكنني حاولت أبين إني عادي ومش مهتمة، لكنني كنت مهتمة، مهتمة أوي عكس طبيعتي.
-بعد كتب كتابنا، أنا كنت كاتب الشقة باسمها، ثقة وحب فيها، باعتها، وسافرت بالفلوس ومعرفش عنها حاجة لحد دلوقتي، غير إنها سافرت مع أعز أصحابي، واللي اختفى في نفس لحظة اختفائها هي، واكتشفت بعدين من صحابي إن كان بينهم قصة حب عظيمة، وإن صاحبي كان صاحب الفكرة دي في الأصل، مش بكره المختمرات عشان السبب دا، لكن حتى أختي في كليتها كان زميلاتها بيفضلوا يهينوا فيها، زميلاتها المختمرات بيهينوها ويقللوا منها ويخلوها تكره نفسها بسبب لبسها، مع إن لبسها لا ضيق ولا كاشف شيء المفروض إنه ميتكشفش، موقف ورا موقف خلاني أبني اعتقادي دا، بس كلامك فوقني، آسف بجد على كلامي دا، وآسف أكتر على أسلوبي، وبتمنى فعلا تسامحيني.
كان قايم ماشي، أشفقت عليه مش هنكر، لكن في كلام جوايا مش هكتمه، لازم يسمع.
-مينفعش تبنى اعتقاد بناء عن موقف أو اتنين أو حتى عشرين موقف، مينفعش عشان قابلت خمسين شخص وحش في فئة معينة إنك تعمم الصفة الوحشة دي على الكل، مش كلنا وحشين، ومش كلنا حلوين، فينا الحلو وفينا الوحش، وأنا عارفة إن في بنات كتير بتاخد الخمار والنقاب ساتر عشان يعملوا بيه حاجات مش كويسة، لكن دا ميدلش إن الكل كدا، أسلوب النصيحة مش بيكون بالإهانة، إنت مشوفتش الموقف بعينك، ومش بقول كدا بإني بكدب أختك، لكن طالما مشوفتش شيء بعينك متحكمش، ملكش حق الحكم من الأساس، من الآخر حاول متبنيش اعتقادات عن الناس، ابني على شخص بأفعاله، متعممش الصفة الوحشة على الكل، وسامحتك، لكن بلاش تقع في الغلط دا مرة تانية، شرفتنا.