-لو سمحت.
-نعم؟
-ممكن نسرق من الدنيا يوم ونقضيه سوا؟
-إنتِ مجنونة؟
ابتسمت باستهزاء على أفكاري اللي جت في دماغي بسبب الجملة دي وقولت:
-ولو كنت مجنونة يعني هتعمل ايه؟
-مش هعمل حاجة، ياريت توسعي من طريقي وتسيبيني أمشي.
حسيت فرصتي بتقل معاه، رجعت تاني ليه بعد ما كان مِشي خطوتين وقولتله:
-هترضى تكون سبب في انتحار بنت وتقف تتفرج عليها؟
حسيت ملامحه رقت ولانت بعد ما كانت متعصبة، ابتسمت بخبث جوايا على أفكاري دي، شوية لحظات صمت لحد ماهو قطع الصمت دا وقال بعد تنهيدة:
-تحبي نروح فين؟
قولت بسرعة بدون ذرة تفكير:
-البحر.
مسح على وشه، وفهمت من كدا إنه زهقان بنسبة بسيطة، أو بيحاول يتغلب على عصبيته وزهقه، قال بعدها:
-تمام، يلا بينا.
مشيت جمبه ساكتة، جوايا كلام كتير نفسي أقوله ليه واللهِ، عمر ما المسافة بين قلوبنا كانت بعيدة بالشكل دا، عمر ما كنت ضعيفة بالشكل دا قدامه، عمره ما كان هو السبب في ضعفي وحزني، دايما كان هو السبب في فرحتي، دايما هو السبب في إني فرحانة دايما حتى وقت حزني كان بلمسة أو بكلمة أو بهمسة أو بأي شيء منه الزعل بيختفي وبيمشي، لكن دلوقتي زعلي موجود وهو اللي مِشي.
-أنا عايز أفهم إنتِ عايزة ايه؟
رفعت كتفي بلا مبالاه وقولت:
-مش عايزة حاجة.
-مش عايزة حاجة! وهو اللي مش عايز حاجة من حد بيفضل يلف ويحوم وراه 4 شهور.
يعني إنت عارفة أهو إنهم 4 شهور، يا أخي منك لله.
-ردي عليا وفهميني إنتِ عايزة ايه؟
بصيت للبحر من قدامي وقولت:
-من سنتين كنت قاعدة هنا، نفس القعدة، نفس المكان، نفس التفاصيل..
بصيتله وكملت:
-مع نفس الشخص.
لقيت ملامحه اتبدلت لملامح بتحاول تستوعب اللي بقوله، كملت وقولت:
-المسافة بيننا كانت تشبه للمسافة دي، لكن مسافة قلوبنا غلبت المسافة دي وانتصرت عليها، ودي كانت أول مرة أشوفك فيها.
-ازاي وأنا مش فاكرك أصلا؟
السؤال وجعني، وجعني بشكل مش هقدر أوصفه، جت في بالي جملة ليه كان بيقولها دايما ليا "دا أنا عيوني متقدرش تشوف ولا تلمح غيرك، يا ترى تفتكري هاجي في يوم وأحب غيرك وأقع فيه زي ما وقعت فيكِ؟" وقتها كنت ببتسم ببلاهة وأهز راسي وأجري عليه أحضنه، دلوقتي أنا بس نفسي يضمني زي زمان، لو بس المسافات دي تختفي!
-يمكن عقلك مش فاكرني، دور عليا في مكان تاني يمكن تلاقيني.
قومت وسيبته ومشيت، كنت فرحانة إني قربت من هدفي ولو خطوة، بس لسه المشوار طويل، لسه في خطوات كتير، لسه في حاجات محتاجة أكسبها، لسه محتاجة أكسبه من تاني.
فتحت الباب ولقيت وعد في وشي وهي بتسأل:
-ها ها افتكر؟ أكيد افتكر، افتكر إنكوا متجوزين صح؟ يعني مش هيتجوز؟
ابتسمت بحزن لما افتكرت سبب كل اللي بعمله دا، بعمل كل دا عشان أرجعه ليا تاني، عشان مسحمش للمسافات تبعدنا عن بعض، مش عارفة ازاي قِدر يشوف غيري، مش هنسى بردو آخر خناقة بيننا واللي وصلتنا لكل دا.
-أنا زهقت من تحكماتِك دي.
-تحكماتي؟ عشان بحبك ومش بحب أشوفك مع غيري تسميها تحكمات؟
-ايه تشوفيني مع غيرك دي يا كيان؟ ما تظبطي كلامك شوية، إنتِ بترمي أي كلام وخلاص؟ دا كله عشان قعدت مع ولاد خالتي وفضلت أضحك وأهزر معاهم شوية؟
-لأ مش عشان كدا، بس إنت دايما بتتعمد تتجاهلني وتهمشني بالشكل دا.
-يووه بقا أنا زهقت.
مشي وسابني وقفل الباب ورزعه وراه، وأنا فضلت أعيط، يمكن أنا آه زودتها شوية، لكن واللهِ عشان بحبه، بعد شوية جالي اتصال وعرفت إنه في المستشفى وإنه عمل حادثة، ومن أربع شهور وهو مش فاكر أي حاجة تخصنا سوا، الدكتور قالي إن عقله الباطن خلاه ينسى كل حاجة كانت مسبباله زعل آخر فترة، بي دا مش معناه إنه ينساني بالشكل المُهين دا، ولا إنه يروح يتجوز وهو متجوزني أصلا.
-أنا عايز أعرف إنتِ كنتِ ايه بالنسبة ليا.
كنت قاعدة في كافيه وفجأة ظهر من اللا شيء وقال كدا، معنى كدا إني شاغلة تفكيره، أصل أنا فاهماه أكتر من نفسه واللهِ.
-مش هينفع أقولك، لكن حاول إنت تفتكر لوحدك أنا كنت بالنسبة ليك ايه.
قومت وخرجت من الكافيه، وعديت الشارع، لقيته بينده عليا، هو أصلا مش فاكر ولا عارف اسمي ايه لحد دلوقتي، كان بيعدي الشارع وهو باصص في عيوني، لوهلة حسيته افتكر، بيبصلي نفس البصة ونفس ملامح الوش، ونفس كل حاجة، في ثانية كان اختفى من قدامي، ناس كتير اتجمعت وأنا واقفة في مكاني مش مستوعبة ايه حصل، قربت من مكان التجمع اللي واقفين حواليه ولقيت شخص تاني واقع على الأرض، وغيث جمبه سليم، لكنه مغمى عليه، فهمت إن الشخص اللي واقع دا هو اللي حاول ينقذ غيث لكن هو اللي اتخبط، الناس نقلوهم المستشفى والشاب كان عايش لكنه كان في حالة خطيرة، وغيث كان فاقد للوعي بس مش أكتر.
-هو هيفوق امتى يا دكتور؟
-كمان شوية، تقدري تدخلي تتطمني عليه.
فتحت باب الأوضة ودخلت وقعدت قصاده، مسكت ايده، أول مرة ميكُنش متبت في ايدي، أول مرة ميفضلش ماسك في ايدي ويسيبها.
-تعرف أنا مش عايزة نرجع لبعض واللهِ عادي، بس المهم تكون بخير، مش هستحمل يحصل ليك حاجة وأكون أنا السبب فيها، أنا كنت السبب في الحادثة الأولى والسبب في الحادثة التانية، يمكن خناقتنا هي اللي وصلتنا لهنا، أنا بس مكنتش عايزة أفقدك من بين ايديا، لكن يمكن دا هو الصح لينا.
قومت وقفت وكنت همشي خلاص، لكنه مسك ايدي جامد.
-مش هسيبك تمشي.
-وايه يخليني أفضل؟
-يمكن عشان بحبك مثلا؟
-يمكن؟ ومثلا؟ يعني مش بتحبني أصلا؟
-طب طلقني بقا.
-يخربيت الهرمونات بجد يخربيتها ويخربيت معرفتها الهباب.
-قصدك ايه بقا قصدك ايه؟
شدني ناحيته وحاوطني بايده وقال:
-أنا مش عارف ازاي كملت الأربع شهور اللي فاتوا دول من غير ما أحضنك.
-محن في المستشفى؟
-ومحن في أي حتة كمان، معلش بس كيان واحشاني.
قومت من جمبه وقولت وأنا حاطة ايدي في وسطي:
-كيان مين دي بقا إن شاء الله.
مسح على وشه وهو بيقول:
-يارب صبرني على كتلة الغباء دي ياربي.
ضحكت جامد لأن دا كان هدفي أصلا وقولتله:
-وهو إنت عندك كام كيان يعني؟
-هي كيان واحدة، احنا ناقصين كيان تانية تيجي تخلص على اللي باقي من عمري.
-بقا كدا؟
-لا ياكوكو ياحبيبي دا أنا بحبك بردو."كنت أنا يومًا ما، لكن الآن كلي أنت."
#كيان_الغيث
#أروى_إيهاب