-مش تحاسبي يا بتاعة إنتِ.
نزلت شيلت كتبي اللي وقعت ورديت بسرعة وأنا بكمل مشي:
-أنا آسفة جدا ليك مكنش قصدي، بس أنا مستعجلة.
مستنتش رده وخرجت برا بوابة الكلية، برا الجامعة كلها، بصيت في الموبايل، يا الله اتأخرت جدا، عمو حسن مش هيسيبني في حالي أكيد، مشيت بسرعة، ياربي بقا على اليوم الملخبط من أوله دا، حقيقي منتهى الحزن يعني.
-تاني يا كيان تاني؟
خلعت الشنطة بهدوء، ولبست لبس الشغل:
-المحاضرات ياعمو حسن واللهِ وإنت العالم بحالي، اعذرني.
-لولا إني عارف إنه غصب عنك كان زماني خصمتلك من مرتبك دلوقتي.
شهقت بهزار:
-ويرضيك أكمل الشهر مش لاقية آكل يا عمو حسن؟
طبطب على كتفي بحنية أب عمري ما حسيت بيها:
-ميرضنيش يابنتي، واللهِ ما يرضيني.ذات الـ22 عام، طالبة كلية ألسن، في عامها الأخير، وأخيرا عامها الأخير، كيان، كيان البنت الطموحة، البنت اللي طول عمرها لوحدها، كبرت لوحدها، عاشت لوحدها، اتعلمت واشتغلت لوحدها، كل شيء في حياتها لوحدها، حتى لحظات سعادتها وحزنها كانت لوحدها، البنت اللي نشأت بدون ما تلاقي حد تقوله ماما، ولا حد تقوله بابا، البنت اللي نشأت ملقتش ليها ضهر وسند في الدنيا يسندها لما الأيام تميل بيها، حتى الدنيا مكنتش منصفة ليها وسابتلها صاحب يسلي أيامها، الأيام كانت بس بتنهش وبتاكل فيها كل ليلة، ولكنها ثابتة، لسه ثابتة وواقفة مكانها، عارفة إنها تعبت وعانت كتير، لكن ربنا أكيد هيكافئها على تحملها، واثقة تمام الثقة إن ربنا إذا أحب عبدًا ابتلاه، عوض ربنا هييجي على هيئة لُطف يمر بقلبي يمحي كل أثر للحزن، يمحي آثار الزعل والحزن والدموع والخذلان والندبات، هيكون طيف رقيق لطيف.
-في ناس مهمين جايين النهاردة المطعم، عايز كل حاجة تكون على أكمل وجه، فاهمين؟
ردينا كلنا في صوت واحد:
-فاهمين.
كان المفروض أرجع البيت اليوم دا بدري، كان المفروض عندي امتحان تاني يوم في الكلية ولازم أذاكر، الشغل بجانب الدراسة شيء مرهق، أكيد هتيجي على شيء لحساب شيء تاني، غير إني بقالي كام يوم تعبانة، صداع رهيب ملازمني، وعارفة سببه، إني بنام عدد ساعات قليل جدا وبصحى بدري وأنزل كلية وشغل كل يوم، وحتى يومين الأجازة من الكلية بنزل شغل ويدوب بلحق أرتب الشقة، شقة صغيرة على قدي، اشتغلت وتعبت كتير، لأجل إني أشتريها وأهرب من الايجار ومشاكله، شقة صغيرة لطيفة وهادية.-إنتِ تاني؟
كان بيبص ليا بملامح غريبة، كان هو نفس الشاب اللي خبط فيا الصبح في الكلية.
-اتفضل يا فندم حضرتك عايز شيء معين؟
-عايزك تمشي من هنا دلوقتي.
بعدت فجأة واتصدمت من كلامه، حاولت أهدى وقولت بنبرة هادية عكس اللي جوايا:
-حضرتك أنا بشتغل هنا، ودي شغلتي، أشوف حضرتك عايز ايه، لكن أنا أكيد مش هتعدى حدودي معاك، وبالمثل إنت كمان.
-وكمان بتقلي في أدبك معايا، قصدك إني مش محترم يعني ولا ايه؟
-أنا مقولتش كدا، حضرتك اللي فهمت دا من كلامي، لكن أنا مقولتش دا أبدا، وآسفة لو كنت ضايقت حضرتك، غيري هييجي ياخد الطلبات من حضرتك، بعد إذنك.