حكاية 20

55 7 0
                                    

-ازاي بتكتبي عنه كدا وبتوصفيه وكأنه شخص حقيقي؟
اتنهِدت وقولت:
-‏مش عارفة بس أنا بحسه شخص متجسد قدامي بصفاته بكل شيء، لكن شكل وشه مش ظاهر، ملامحه مش بتكون باينة ليا، وشه مُبهم ومش واضح بالنسبة ليا، لكن هو صورته مطبوعة في دماغي ومش بتروح، لكن الفرق الوحيد إنها صورة من غير ملامح لوش انسان.
شربت من كوباية القهوة اللي كانت قدامي وبعدين حطيتها قدامي بهدوء وكملت:
-تعرفي لما بتقرأي رواية وتيجي البطلة توصفلك ملامح البطل كدا بدقة وإنتِ تبدأي تجسدي الشخصية قدامك وترسمي ملامحه لحد ما توصلي لشكله النهائي؟ الكل بيقدر يوصل لشخص حقيقي في دماغه، شخص وانسان لُه ملامح، لكن أنا عمري ما قدرت أوصل لشخص بملامحُه الفعلية، سواء في أي رواية قرأتها أو أي قصة كتبتها.
-‏بس ازاي؟ مش قادرة أستوعب كلامك دا يا كيان بصراحة، كلنا متخيلين إن غيث اللي بتكتبي عنه دا شخص كامل ومختارين شكله وهيئته وكل شيء فيه، ازاي إنتِ ذات نفسك معملتيش كدا؟
-‏إنتِ ذات نفسك يا وعد قولتي أهو "مختارين" لكن في الواقع لا أنا ولا هو لينا حق الاختيار، احنا مجرد نصيب لبعض، حتى ممكن ميكُنش ليا نصيب في شخص اسمه غيث، أصلي مش هختار شكله واسمه، أنا بس ليا حق الموافقة أو الرفض على صفاته وأخلاقه، غير كدا لأ، وكمان ما أنا ياما شوفت ناس اسمهم غيث واتعاملت معاهم، والجاليري بتاعي في شخص اسمه غيث كمان شغال فيه وإنتِ عارفة دا كويس، لكني بتعامل عادي معاه، أصل مش كل شخص بالاسم دا هروح أحبه يعني، أكيد لأ.

يمكن دا يبان للكل على إنه شيء غريب ومُبالغ فيه، لكن أنا عمري ما قدرت أتخيل شكل بطل قصصي، أي قصة بكتبها بعيش فيها أنا، بتخيلني وسط كل كلمة وكل مشهد بيحصل، لكن مش بقدر أشوف شكله وملامحه، هل الدنيا هتسمحلي في يوم أخطف لحظة منها وأشوفه؟

-أنا تعبتلك بجد، إنت مش بتزهق؟
-‏مش بزهق منك.
-‏لكن أنا تعبتلك وتعبت من الدايرة اللي بندور حواليها دي وملهاش مخرج.
-‏طب ما تسمحي يكون ليها.
-‏مينفعش، واللهِ ما ينفع.
نظره نزل للأرض وقال بنبرة ماليها الحزن:
-‏أنا عارف إني أقل منك، بس واللهِ بحاول، عارف إني مجرد موظف عندك وباخد مرتبي منك إنتِ بس بحاول عشانِك، بحاول عشانِك إنتِ بس.
لوهلة قلبي اتأثر بكلامه وزعلت عليه، أنا مش رافضة غيث لأنه أقل مني ولا أي شيء من الخرافات دي، أنا بس عايزة حد يخطف قلبي من أول طلة، من أول نظرة، من أول ما عيني تقع في عيونه أعرف إن خلاص دا هيكون هو الشخص بتاعي، لكن غيث عمري ما فكرت فيه بالشكل دا أبدًا.
-‏إنت عارف كويس إني مش بفكر كدا أبدًا، وإن الماديات دي شيء لا يعنيلي من الأساس، وإنك تقلل من نفسك قصاد نفسك أو قصادي أو قصاد أي حد تاني دا اللي يُعتبر فعلا تقليل للنفس، لأن من الأساس مفيش حد يستاهل يتقال عليه إنه صغير ومش قد شيء، إنت كبير في نظري..
بصيت لبعيد وكملت:
-لكن في شيء بيننا ناقص، ناقصني الحب.

غيث شخص مُكافح، الظروف بهدلته بمعنى الكلمة، شخص الدنيا دايسة على وشه بالمعنى الحرفي، كمل كليته رغم كل المشاكل اللي مر بيها، بيصرف على والدته المريضة، والده كان متوفي وسايب في رقبته أخت أكبر منه، كان بيشتغل بدل الشغل الواحد اتنين وتلاتة لحد ما جهزها واتجوزت، ودلوقتي ربنا كرمه وقابلته واشتغل معايا في الجاليري، الجاليري دا مكان صغير ببيع فيه أنتيكات وشغل كتضييع للوقت، ولموهبتي وهي اقتناء الأشياء الأثرية يعني، غيث بالنسبة ليا شاب مصري مُكافح جدا، مهما الظروف كانت قاسية عليه لكنه لسه واقف، وماسك في حلمه وبيحاول يوصله، أعرف غيث من سنتين، بدأ يحاول يتقرب مني من سنة، لكنني كنت بتغاضى عن كل دا، مش لأنه أقل مني واللهِ أبدا، لكن عشان أنا مش عارفة ولا قادرة أحبه، مش عارفة، في خطفة كدا كنت بتمنى تحصل ليا في أول مرة أقابل فيها شريك حياتي، وللأسف محصلتش معاه.

كيان الغيثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن