-نهارك سعيد.
ابتسمت بحُب حقيقي نابع من قلبي ورديت:
-نهارك لطيف، يشبه لُطف عيونك.
مسك ايدي وبص في عيوني بحُب وقال:
-مفيش زي لُطفك ياحبيبتي.
-تروح وترجع بالسلامة.
-راجع لعيونك عن قريب ياست البنات.
-متطولش في غيبتك عني.
-مقدرش أغيب عنك، قلبي مش هيكون قادر على كدا.
خِجلت من كلامه، وشي أصبح دافي وكأنه قايد نار، قولت بتوهان:
-لا إله إلا الله.
-سيدنا محمد رسول الله.
فاتني ومشي وقفل الباب وراه، حسيت إن الدنيا فضيت عليا من بعده، يمكن متعودة على غيابه المتكرر كتير، لكن قلبي لسه متعودش، قلبي رايده يفضل جمبه دايما، هكون طماعة أوي لو خليته جمبي طول العمر بدون ما يتحرك؟
خرجت أشم هوا في البراندا وأنا بروي الزرع، ابتسمت لذكرى اللقاء الأول، لذكرى اتحفرت في قلبي قبل عقلي، ذكرى كان هو أساسها.-بنسوار يا هانم.
-ياسم.
-إنتِ لطيفة خالص.
وقفت في نص الشارع والتفت للولد اللي كان بيتكلم وقولت بصوت عالي شوية:
-إنت مش محترم، وياريت تمشي من هنا من غير شوشرة أحسن ليك، أظن إنت مش حِمل لا ضرب ولا إهانة بسببي.
بص عليا بنظرة مش لطيفة خالص وقال:
-لو عشانك إنتِ نستحمل كل حاجة ومالُه.
فجأة ظهر من وسط الضلمة ومن وسط الفراغ اللي حوالينا في المكان، ظهر وكأنه بطل من أبطال السيما اللي بنسمع عنهم ولا نشوفهُمش، كان شاب طويل عريض، وسيم، كلمة وسيم متكفيش وصف وسامته، كتافه عريضة وملامحه تسحر قلب أي ست، قال بصوت رجولي يهز قلوب ستات كتير:
-في حاجة يا آنسة.
شاورت على الولد وقولت:
-الأستاذ واقف معطلني ومش سامح ليا بإني أمشي أبدا.
وجّه نظره ناحيته وقال بحدة:
-جرا ايه يا أفندي إنت؟ ايه دخلك ببنات الناس؟
وقبل ما الولد يرد كان اختفى في لمح البصر، جِري من قدامنا وكأنه مكنش موجود من قبل.
-وإنتِ يا آنسة مينفعش تنزلي من بيتكوا في وقت متأخر زي دا.
-أنا بس كنت رايحة الأجزخانة، مامتي تعبانة خالص ومحتاجة علاج ضروري.
مسح على شعره في حركة لطيفة خالص وقال:
-تسمحيلي أوصلك مكان ما تروحي؟
ابتسمت بلطف وقولت:
-هكون ممنونة ليك جدا.
مشي قدامي وكان كل شوية يلتفت وراه وأنا أخجل وأنزل عيوني لتحت، كان وجوده لطيف خالص، لدرجة إني كنت بتمنى الطريق يطول ولو شوية لكن للأسف..
-متشكرة جدا، أنا خلاص وصلت.
رفع نظره لفوق وشاور وقال:
-دا بيتك؟
هزيت راسي بآه وبس، كنت بتمنى أفضل معاه شوية، رغبة غريبة جوايا سيطرت عليا بإني حابة أكون معاه، وجوده ونسني ونساني مر الأيام.
طلعت بيتي وبعدها خرجت البراندا أشوفه، لقيته رافع راسه لفوق وبيبص بابتسامة جميلة كانت كفيلة توقعني فيه أكتر وأكتر، لكنني كنت لسه خايفة، خايفة من شيء مجهول.
-فوتِك بعافية يا والدتي.
-الله يعافيكِ يابنتي، تروحي وتيجي بالسلامة.
ضحكت برقة وقولت:
-دا أنا هنزل تحت وهو مشوار صغير وجاية.
-بردو لازم أدعيلك، قلب الأم كدا.
نزلت وروحت لصاحبتي وعد عشان كانت خطوبتها قريب ولازم أكون معاها، لكن كانت طالبة مني شوية حاجات كتير كدا أشتريها ليها وأنا جاية وكنت ماشية مش شايفة الشارع أصلا.
-مش تحاسب يا جدع إنت، الحاجة وقعت على الأرض وهتتكسر.
-أنا آسف.
الصوت مكنش غريب عليا، رفعت راسي لفوق لقيته هو الشاب بتاع يوم الولد اللي مش محترم دا، بصيت حواليا أستوعب هو كان فين لقيتنا في مدخل بيت وعد، وبيتها مفيش فيه حد غيرهم، غريبة! غريبة ومش عارفة حاسة أنا متضايقة ليه؟
-هو مين الجدع اللي لسه نازل من بيتكوا دا؟
-مالك بتنهجي كدا ليه؟ كويسة؟
-مين دا بس؟
-قصدك غيث؟
-معرفش اسمه، بس هو مين؟
-هو ابن خالتي.
-ابن خالتك آه، وكان هنا ليه؟
-بتسألي كتير يا كيان، في ايه؟
-لا عادي، مش مهم بينا يلا نجهز لخطوبة بكرا.
عرفت منها بعدين إنه كان مسافر، ولسه راجع يستقر هنا، كويس حلو، يا ترى بيحب أكل ايه عشان أعمله بكرا؟ يا ترى فستاني هيعجبه؟ يا ترى عقله متعلق بيا زي ما عقلي متعلق بيه؟ امتى الزمن يسمح يا جميل؟ امتى؟
-شكلك جميل خالص.
ابتسمت بود وبس، لكن قلبي كان بيرقص من جوايا بفرحة غريبة عليه، أنا شكلي كدا وقعت!
-واقفة لوحدك ليه؟
مسحت دموعي ورفعت راسي ليه وبعدين اتحركت عشان أمشي:
-لا مفيش حاجة.
لكنه وقفني بدراعه قدامي وقال:
-إنتِ كنتِ بتعيطي؟ بتعيطي ليه؟
وفجأة عيطت تاني مش بس مجرد كام دمعة وخلاص.
مد ايده بمنديل فأخدته منه وقال:
-خلاص اهدي اهدي أنا آسف.
عياطي زاد وأنا بقول بصوت متقطع:
-وإنت بتعتذر ليه؟
-بعتذر عن سبب زعلك.
-وإنت كان ايه دخلك في سبب زعلي؟
رفع كتافه ببراءة سلبت قلبي مني:
-مش عارف، حابب أعمل كدا.
هديت بعدين وقفت وقولت برسمية شوية:
-أنا آسفة بس كنت متضايقة شوية.
-ليه؟
-نعم؟
-ليه؟
بصيت لبعيد وقولت بتوهان مش مدركة واقفة فين أو بتكلم في ايه أو مع مين:
-إني في وقت هكون فيه لوحدي، الكل هيسيبني ويمشي، إني في الأساس لوحدي ومحدش شايف، الوحدة مش بإنك تكون وحيد ومعندكش معارف، الوحدة الحقيقية إنك تحس بالوحدة وسط ناسك ومعارفك، احساس إني في يوم هتنسي وهيفوتوني ويمشوا ويكملوا من بعدي مش مفارقني، هو أنا وحشة؟
وقبل ما يرد فوقت، تداركت الموقف بسرعة البرق، اعتذرت منه وفي ثواني كنت خرجت من البراندا اللي كنت واقفة فيها هروبا من نظرات الحب اللي شوفتها في عيون وعد تجاه خطيبها، عارفة إنها بتحبه وهو بيحبها، ومش غيرانة منها ولا بحقد عليها، بس لوهلة حسيتها بتسيب ايدي وبتبعد، لدرجة إنها حتى ملاحظتش غيابي من حواليها، لما يكون غيابي مش فارق هل وجودي وقتها هيفرق؟