اسكريبت 37

40 7 0
                                    

-ماما هي ايه الورقة دي؟
-‏ورقة ايه يا حبيبتي؟
-‏دي يا ماما.
أخدت الورقة منها، فتحتها، وبمجرد ما فتحتها شبح ابتسامة ظهر على وشي.
لقيتها بتشِب عليا عشان توصل لكتفي:
-بتضحكي على ايه يا مامتي؟
قفلت الورقة:
-‏مش على حاجة.
عملت بوشها وكأنها زعلانة:
-بس أنا كبيرة وعايزة أعرف دا ايه.
وطيت عشان أكون في مستواها:
-‏كبيرة أوي أوي يعني؟
رفعت ايدها وعملت بصوابعها رقم خمسة:
-‏عندي دول يا ماما، اتعلمتها في الحضانة.
-‏لا دا احنا شاطرين أوي أهو، يلا بسرعة بقى روحي اغسلي سنانك وعلى سريرك وهاجي أحكيلك قصة مختلفة عن قصة كل ليلة.
نطت بفرحة:
-‏بجد يا ماما؟
هزيت راسي ليها وأنا راسي مليانة ذكريات كتيرة، كلها ذكريات جميلة، لأنه كان مشاركني فيها، لأنه كان جزء منها.

-بتبدأ الحكاية ببنت عندها 25 سنة، بيجيلها نصيبها في يوم على هيئة شاب وسيم، شاب لطيف، طويل، أطول منها بكتير، كل الناس كانت شايفاها أحلى منه، لكنها شافته بعيون قلبها، ومن هنا بتبدأ حكاية كيان، كيان وغيث.

-موافقة يا بابا.
-‏على خير يابنتي، هبلغ أهله وهنتفق على كل شيء.
خرجت لبلكونتي، مبستمة، فرحانة، احساس غريب لأول مرة بحسه.
-أنا بتجوز!
احساس الكلمة غريب، وقعه على ودني غريب أكتر، رغم إني مشوفتوش غير مرة واحدة، لكن مرة واحدة كانت كفيلة تحرقني بنار التفكير، التفكير واللهفة، ويمكن الحب.
-أنا شغلي صعب.
-‏موافقة.
-‏عصبي ووقت عصبيتي ممكن أأذي اللي قدامي.
تخيلته وقتها زيه زي وحش كبير ضخم لُه أنياب بيقرب مني وعايز يأذيني.
-بس مش هقدر في يوم أأذيكِ.
وبقرب عليه وبمجرد لمسة مني بيرجع طفل بين ايديا، ابتسمت لتخيلي، وابتسمت لكلامه، لطيف، لذيذ، وقِدر يوقعني فيه بسهولة، بنت قافلة على قلبها سنين كتير، أكيد أول ما هتلاقي معاملة لطيفة من شخص لطيف يشبهه هترِق وتلين، وتقع في هواه، ويمكن تحبه كمان، ليه لأ؟
-بس أنا مش محتاجة دا كله.
-‏أنا عايز أجيب ليكِ كل شيء، مش عايزك محتاجة لحاجة، أي حاجة حاباها قولي عليها، أنا مش عايز يكون في شيء ناقصك.
-‏إنت مش مخليني محتاجة حاجة، وجودك كفاية.
-‏ايه؟
قومت بسرعة وبتوتر وأنا بشيل صنية الكوبايات:
-‏بس طنط لطيفة، حبيتها أوي.
سمعت ضحكته من ورايا لما مشيت، كنت عارفة إنه بيتسرسب جوايا أكتر وأكتر مع الوقت، وقتها جت في دماغي جملة لِزُليخة كانت بتقولها لسيدنا يوسُف في المسلسل اللي أكيد كلنا شوفناه "كنت أنا يومًا ما، لكن الآن كلي أنت."
دلوقتي دوقت وعرفت معناها، دوقت طعم الحب وعرفت قد ايه هو جميل، جميل وبيخلي صاحبُه طاير لسابع سما.
-ادخلي برجلك اليمين يا عروسة.
مكنتش قادرة أدخل، مكنتش قادرة أبتسم، مكنتش عارفة أتحرك من مكاني، لوهلة حسيت الزمن وقف بيا، لحظة دخولي للبيت هكون بأكد مية في المية المسئولية الكبيرة اللي فوق ضهري، مسئولية بيت، وعيلة، ومسئولية شخص جديد، شخص مهما كان عاشرته شهور لكن دلوقتي لازم أعاشره سنين، يا ترى هنجح؟ هكون زوجة كويسة؟ أم كويسة؟ يا ترى ولادي هيكونوا فخورين بمامتهم؟ هربيهم كويس؟ أفكار كتير وكتير، دماغي وجعتني من كتر الأفكار الكتير الغير مترابطة، واللي ممكن تكون غير منطقية للبعض.
رفعت ايدي لراسي وغمضت عيوني جامد لأجل إن كل دا ينتهي، فوقت على صوته:
-كيان، إنتِ كويسة؟
الأصوات هِديت، بل اختفت تمامًا، صوته كان السبب، هو كان السبب، ابتسمت وهزيت راسي بهدوء ودخلت.
-أنا تعبت بقى كفاية مش قادرة، يا أخي حرام عليك قدرني وقدر مجهوداتي وتعبي، تعبي بين ترويق البيت والأكل والتنضيف، وبين شغلي، وبين بنتي، وبينك، وإنت بس مش بتشوف غير الشيء الوحيد اللي قصرت فيه، أنا تعبت، كفاية بقى كفاية.
سيبتُه ودخلت أوضتي، بكيت على حالي، دوام الحال من المُحال يا عزيزي، بعد سنة ضحك وحب ولعب خلفت بنتي، سميتها ملاك، لأنها ملاك فعلا، لكن أنا وغيث اللي علاقتنا أصابها الفتور، حاسة إنه يمكن مبقاش يح..
-بحبك، واللهِ بحبك وآسف.
بيعرف يخترق خلوتي بنفسي، كل مرة بضحك جوايا، ازاي بيقدر يقرأ أفكاري بالشكل دا؟
-عارف إني مقصر معاكِ، ومع ملاك، لكن دا غصب عني، عارف إني جاي عليكِ أوي، وإنك شايلة مسئولية كبيرة يمكن غيرك ميقدرش يشيلها، يمكن أنا مقدرش أشيلها، لكن أنا مكنتش شايف، مكنتش فاهم، مكنتش مقدر، ودلوقتي أنا فهمت، ودلوقتي أنا آسف.
نهى كلامه وسحبني لحضنه، المكان الوحيد اللي عمري ما هَمِل منه أبدًا، المكان الوحيد اللي عمري ما هحس فيه بالغربة، المكان اللي لو الكل رماني برا عنه مش هلجأ غير لِيه هو، غيث أصبح كياني كله، وكيان أصبحت كيان غيث، واحنا أصبحنا شخصين بتجمعهم روح واحدة.
-حضرتك مدام الأستاذ غيث.
-‏أيوة مين معايا؟
-‏آسف على اللي هقوله لحضرتك دا بس الأستاذ غيث اتوفى نتيجة سكتة قلبية.

-من وقتها يا ملاكي وأنا اللي معاكِ دايما، وبابا بردو معاكِ يا حبيبتي.
شاورت ناحية قلبها:
-‏بابا آه راح عند ربنا، بس بردو هتلاقيه حواليكِ في كل مكان، هتلاقيه في قلبك لأنك أكيد بتحبيه زي ماهو بيحبك، بابا مكنش بيحب في الدنيا دي كلها غيرك يا أحلى ملاك في الدنيا.
-‏طب والورقة يا ماما؟
فتحتها:
-دي الورقة اللي كانت مع بابا دايما وبيفضل شايلها على طول، ورقة حاطت فيها صورتي وصورتك لكن الصور مش موجودة لأنها ضاعت.
-‏بس في كلمة مكتوبة هنا أهو.
-‏"كياني".
-‏يعني ايه؟
حضنتها:
-‏يعني احنا كنا وما زلنا كل حاجة لبابا يا عيوني.
بصيت ناحية البلكونة ولمحت طيفه، لمحته بهيئته اللي عمرها ما تغيب عن بالي ولا عقلي، لمحته وعيوني خطفت نظرة، لكن قلبي كان بيدق وكأنه رجع للحياة من تاني.

"كنت أنا يومًا ما، لكن الآن كلي أنت."
#كيان_الغيث
#أروى_إيهاب

كيان الغيثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن