الفصل الأول: انت عندك 29 سنة!

15.7K 546 197
                                    

طقس بارد، صقيع قارس، وشتاء بلا رياح ، في وقت متأخر من الليل في مدخل طولي يحفه الرخام الأسود الانيق من كل جانب لفندق مرموق بالإسكندرية ، يطل على شارع خال من المارة وحتى من السيارات حتى وهو شارع رئيسي

خرجت وحيدة تبكي في ردهة طويلة لا يسمع فيها غير صوت شهقاتها وطرق نعالها المتسارع غير المتناسق.

ركضت تجمع بيديها المرتعشتين ثوبها الحريري الوردي الفضفاض تبادل بين كفاها لمسح دموعها ، كان كل ما يضج داخلها هو أن تهرب بعيدا .

في طقس قارس البرودة إلا من أنفاسها الحارة التي تحترق حسرة وانكسار ،خرجت من الردهة للشارع العمومي تتلفت بتيه ولا وعي بأنظارها ،اختارت جهة وظلت تركض تتعثر في ثوبها الباهر الأنيق تارة وتتوقف لتلتقط أنفاسها تارة.

حتى سمعت صوت ركض خلفها، وصوته يناديها باستماتة، تجاهلت صوته الاجش الرجولي الذي لطالما حرك مشاعرها اطمئنانا وحبا ، هو الآن أصبح سهم يخترق قلبها ألما وخذلانا، لم يسعها سوى الهروب!

ظلت تركض مسافة تكبو خطواتها تعثرا في ثوبها الذي لم يعد لرفعه معنى بعد أن انحنى جذعها لا تقوى على رفعه، بدأ صوت تنفسها يعلو شيئا فشيئا ،ورؤيتها تظلم أكثر فأكثر ، ويداها بدأت ترتخي، فتيقنت ان نوبة هلعها التي لطالما داهتمها في أحلك اوقاتها قد بدأت .

كان عليها الابتعاد لكن جسدها بدأ في خيانتها كعادته أرجلها بدأت بالتثاقل وكأنها تجر، كيانها أعلن العصيان عليها وكأنه يعطيه هو من الفرص واحدة أخرى ليلحقها .

قبل أن تدخل مرحلة الإغماء التي تنتهي بها نوبة هلعها الضروس، أفاقها كف يده الذي انتزع ذراعها يسحبها لمعانقته فصفعته بآخر طاقة لها ، وقف ينظر للأرض بلا حراك ممسكا ذراعها سجينا في كفه، قال بصوت مرتعش: حقك ،أنا عارف إني أستاهل .

قالت بصوت مبحوح يائس وهي تحاول قدر ما تملك ألا تتصل معه بالأعين: طالما عارف، سيبني امشي!

قال مترجيا يحني جسده واضعا كفه الآخر على صدره باستجداء :
قلبي مش هيتحمل بعدك تاني! مقدرش أمشي والله ما هقدر!

قالت وهي تبعد وجهها بعيدا عنه تبكي بصمت فقط دموع جارية : لا قدرت قبل كدة وهتقدر تاني ، وإن كان في الأول بمزاجك دلوقتى بقا غصب عنك ولازم نبعد.

شد وثاق كفه على ذراعها وأردف بغضب وعناده المعتاد يهدر: مفيش حاجة هتحصل غصب عنى ، إنتِ فاهمه !!

كمشت حاجباها في ألم وأرجعت وجهها تنظر له وأخذت تدفن سبابتها في صدره طعنات : لأ فيه! اللي حصل قبل كدة واللى بيحصل النهاردة كل ده غصب عنك، كل حاجة هنا غصب عنك وكمان هتسبيني غصب عنك دلوقتي.

ارتجف صوته يحاول استرجاء قلبها: صدقيني والله هصلح كل ده، هرجع كل حاجة أحسن من الأول، أنتِ مش فاهمة مكانتك في قلبي يا رقية!

شــــظايـــا ثــمينـــة 《النسخة العامية 》حيث تعيش القصص. اكتشف الآن