الـفــصــل الــرابــع: شقيانة من غيرك يا رِقة!

6.9K 344 156
                                    

هناك لحظات تتمني توقف الزمان بها من جمال وقعها على فؤادك، حتى يظل مذاقها السكري الحلو في فمك ، وتتمسك بريحها الطيب يتغشى دواخلك، وملامسها الحنونة الدافئة تبقى على ذاكرة يداك .

تلك اللحظات تأخذ بيدك من غياهب الحزن لتربت عليك وتمسح وجناتك المبللة، تلك اللحظات ستظل ونيسة ايامك الزرقاء الباردة الحزينة، وتبقى الدفئ والضي ذا الشعلة البسيطة الذي يضيء طريق حواسك، والذي يلهب حاجتك للأمل.

رؤيته لوجه درة قلبه اخيرا، كان كليلة دامسة قد قمرت ببدر التمام العملاق، أضاءت عتمة فؤاده بعد ان كاد الظلام أن يأكله قطعة قطعة، توقف زمانه وزمانها يتأمل وجهها الآتي من اعلاه، يكاد يقسم ان خافقه قد فاتت عليه بضع خفقات ثابتة دون عمل، قبل أن يعيده صوتها الذي اشتاقه إلى العالم المحيط بهم مع أول همسة همست بها.

وكأنه رأى ببطئ ثغرها يفرج عن ابتسامة دافئة صغيرة ثم استزاد بحركة بسيطة لتتحدث، فتسلل صوتها يخترق مسامعه وصولا لقلبه جاعلا منه يضرب كطبلٍ عملاق يكاد كيانه يهتز مع خفقاته التي جُنّت لها، عندما قالت:
ايه يا كريم، عامل ايه النهارده؟

التجم صوته في حلقه وخانه ولم يرد، لكن جسده هو من أسرع التصرف، فانتفض قافزا على ركبتيه بحركة سريعة يواجهها، ساحبا ساعدها إليه يضمها لصدره بغير وعي ولا حديث، فقط بعيون منفرجة بغير تصديق وفقط دموع تسري بهدوء على وجهه، وكلمات متقطعة مبحوحة من قلب هلكه اللهاث تقول:
كنتِ فين؟ رحتِ فين وسيبتيني؟

كان بعالم آخر، عالم من وجد حبل النجاة بعد التدلي فوق جرف هار، فلم يعده إلى وعيه سوا ذراعاها تدفعانه بعيدا بخبطات مترددة على صدره بكلتا يداها، فابتسم يغمض عيناه رادفا جفونه للمرة الأولى منذ رؤيتها، وافرج ذراعاه عنها، فجلست تثني ساقيها وتحيطهما بذراعيها ناظرة تجاه البحر فتبعها ولف جسده يجلس بجوارها فاردا ساقاه الطويلتان باسترخاء واطلق تنهيدة مسموعة خَلَفَها صوته الأجش يخاطبها:
انتِ لسة فيكي العادة المهببة دي؟

فردت عليه بعنادها المألوف الذي دغدغ قلبه واشعره انه اخيرا عاد لوطنه، تقول معاندة:
المفروض نقول العكس! انت اللى لسة فيك العادة المنيلة دي!

انفرجت اساريره ضاحكا من المحادثة المألوفة وقال بمكر:
وفيها ايه انا بحضن مراتي؟!

قالت بغضب هو يعرفه تمام المعرفة:
كام مرة يا كريم اتكلمنا وقولنا ان لكل وقت آذان! وأذانك اللى انت بتلف وتدور عليه ده وقته مجاش!

قال بعناد وقد لف وجهه تاجهها واضعا كفه على صدره:
لا وقته يا رقية أنتِ اللى بتلفي وتدوري! أنتِ مراتي برضاكِ على فكرة وكان فيه مأذون وشهود وولي! وهتفضلي كدة لو بينا بلاد مش أوض وأدوار، تمام؟

شــــظايـــا ثــمينـــة 《النسخة العامية 》حيث تعيش القصص. اكتشف الآن