52 حنان سعيد

3.4K 175 4
                                    

- شبه الملايكة
- ملامحها هادية فعلاً
سكت الصوتين فجأة ، بس كنت سامعة حركتهم وكأنهم بيتنقلوا ف الأوضة ، سمعت حركة أوراق
- لسه صغيرة ع وجودها هنا
- هى هنا من شهرين ، جسمها رافض يقبل أى دوا
الصوت الأول قرب منى تانى - وإيه اللى مزعلك وخلاكى مخاصمة الدنيا بتاعتنا كده يااست حنان ؟
- غالباً اللى بيدخل حالتها دى مبيخرجش منها
- علشان رافض الخروج منها
- إحنا بشر ياادكتور احمد ، ومتنساش ان كلنا بندور ع الراحة
سكتوا شوية وبعدين سمعت صوته تانى
- بس هى لسه صغيرة اوى
شوية وسمعت صوت أسماء ، الممرضة اللى معايا هنا من وقت مااجيت ، الوحيدة اللى برتاح لما بسمع صوتها ، رغم إنى فعلا مش عاوزة ارجع تانى ، بس صوتها بيوصل لحنان اللى جوايا ، حنان بتبتسم لما أسماء بتكون هنا
بيقولوا إنى ف غيبوبة من شهرين ، بس كان لازم يقولوا إنى بنيت عالم تانى من شهرين ، أنا لابسة فستان أبيض زى ماكنت بحلم دايما وحواليا شجر وزرع وعصافير وورد أبيض وفراشات ، هنا العالم حلو لدرجة إنى ندمت ع 20 سنة ضيعتهم ف دنيا مليانة كره وحقد ، الناس هناك مش حلوين ، المفروض إتخلقنا أرواح نقية بس لما نزلنا الأرض هنا كله اتسابق ازاى يوجع أكتر
حسيت بإيد أسماء بتحركنى ، همست - عاملة إيه دلوقت ؟
سمعت صوته - إنتى بتكلميها ؟
- صوتى واصلها ، انا عارفة إنها متقبلة وجودى
ضحك - طب قوليلها إنى محتاج أكلمها
صوته شبه أمواج خوفت لما سمعته أول مرة ، قومت بفستانى الأبيض ووقفت ورا شجرة كبيرة ف الدنيا بتاعتى علشان صوته ميوصليش
- لو خلصتى ياأسماء ، سبينى معاها
انا كنت خايفة ، عارفة إن مفيش حد هيقدر يمسنى بسوء ، محدش هنا ، محدش موجود ف العالم الواسع بتاعى فمحدش هيقدر يسببلى وجع ، بس كنت خايفة
فستانى إتهز لما سمعت صوت الباب بيقفل
قعد جمبى واتكلم بهدوء - مش عارف هتتقبلينى زى مس أسماء ولا لأ ، بس أتمنى فعلاً ، أنا دكتور أحمد بس بما إننا بقينا صحاب فأنا أحمد
المفروض إن حالتك معايا لشهرين ولو منجحتش هتتسحب منى ، فقدامك شهرين كاملين تختارى منهم أى يوم وتفتحى عيونك
حنان كانت خايفة ، حطيت إيدى ع ودنى ، أصواتهم بتإذينى
- أنا هقوم دلوقت ، أنا بس كنت عاوز أقولك إن الدنيا مش وحشة وإنها فيها ناس كتير لسه بفطرتهم ، أقصد لسه جواهم خير
ضحكت بصوت عالى ، وجريت ورا الفراشات ، اول يوم دخلت العالم الأبيض بتاعى ف فراشة كبيرة قالتلى إنى بعد فترة هيكون ليا جناح زيها ، وهقدر أطير ، اوقات بتمنى الناس كلها تدخل العالم ده بس انا عارفة إنهم هيإذوا الكائنات هنا
كنت بعافر سنين إنى أبعد جدار الخوف عنى وعلشان أضعف من إنى أضحك من غير ماامسك قلبى مقدرتش أبعده
- حنان ، إنتى سمعانى ؟
صوته بقى مألوف زى صوت أسماء ، أنا بس بقيت اتضايق من كتر كلامه ، مش بيبطل يتكلم ، بيفضل يحكى عن حاجات بتحصله من أول مابيصحى لحد مابينام ، انا بقيت حاسة إنى مشتتة هنا وهناك ، أوقات بتمنى أفتح عيونى واقوله اسكت وكفاية كلام بقى مش عارفة ألعب مع صحابى هنا من صوتك فااسكت ، بس لو فتحت مش هقدر ارجع هنا تانى وانا مش عاوزة أسيب هنا
كنت ماسكة وردة لونها أبيض لما حسيت إيد مسكت إيدى ، مكنتش إيد أسماء ، الوردة وقعت من ايدى ومقدرتش أجرى بعيد - انا معاكى ، متخافيش
هنا كل حاجة حلوة بس مفيش ونس ، يعنى أقصد لو قدرت أدخل أسماء ودكتور أحمد هنا ، أقصد وأحمد هنا ونقفل باب الدنيا بتاعتنا
- حنان
صرخت لما لقيته جمبى ، كان أطول من عمر قضيته هناك وبيبتسم - إنت هنا إزاى ؟
- ماإنتى رافضة تخرجى
- أنا مش عاوزة أكون هناك ، انا مش عاوزة أرجع
- خلاص هفضل هنا
- ومش عاوزة حد هنا ، دا العالم بتاعى انا بس
- إنتى لو مش عاوزانى هنا مكنتش هقدر أدخل ، أنا دخلت لإنك عاوزة كده
مسكت طرف الفستان وانا متضايقة
بس مقدرتش أفهم إذا كنت متضايقة علشان وجوده فعلا ، ولا متضايقة علشان كذبنى وهو عنده حق
- بقالك قد إيه متكلمتيش مع بشر ؟
- إحنا مش بشر ، إحنا دلوقت أرواح ، العالم ده للأرواح بس ، الجسم بيفضل بره
- تعرفى إنى من وقت ماشوفتك وانا كنت بتمنى أسمع صوتك !
- تسمعه ليه ؟ قصدى شوفتنى ليه ؟ لأ أقصد إنت هنا ليه ؟ يعنى ..
ضحك - هى الأرواح بتتكسف عادى ؟
سبته ومشيت ، كنت بفكر إن العالم دلوقت يشبه للوقت اللى سيدنا آدم وستنا حوا كانوا موجودين فيه ومفيش غيرهم بشر ، العالم واسع ومفيش غيرنا
بصيتله تانى - أعرفك ع صحابى ؟
- طب أعرفك إنتى الأول  !
- يااسلام ؟ اومال جيت هنا ازاى لو متعرفنيش
- أعرف إن إسمك حنان ، عندك 20 سنة ، بتخافى من الضلمة والأماكن العالية والأماكن الضيقة ، بتخافى من اللون الأحمر رغم إنه بيبقى حلو جداا عليكى ، أعرف كمان إنك بتكذبى وفرحانة إنى جيت ، مش لأنك مستنية أى شخص يجيلك ، لإنك مستنيانى أنا
كنت واقفة متنحة ، لأ كنت واقفة خايفة
قرب منى - واعرف كمان إنك خايفة دلوقت
سند على شجرة - بس ف حاجات تانية عاوز أعرفها
- أنا مش بخاف من الضلمة
- بجد ؟
- صحابى كانوا بيظهروا ف الضلمة بس ، وقت لما بكون لوحدى ، اول ماابقفل باب أوضتى وأطفى النور ، ف الوقت ده بس كنت بلاقى نفسى ، كان بيبقى مسموحلى اعيط واضحك واصرخ والعب حتى ، انا عمرى ماخوفت من الضلمة بس أتمنى العالم يكون منور دايماً ، أتمنى الشمس متنامش أبداً
- أنا همشى دلوقت
إتخضيت - هتمشى ليه ؟
- مش عاوزانى أمشى ؟
- أيوة خليك
- هجيلك تانى
وفجأة إختفى ، زى مافجأة ظهر ، ممكن نضيف لأصحابى واحد كمان ، بقى شجر وسما وورد وفراشات وأحمد
نسيت أقوله إن محدش غيره قدر يدخل هنا ونسيت كمان أقوله إنى مسمحتش لغيره يدخل هنا
حسيت إنى مش لوحدى وإنى طبيعى يكون عندى أصدقاء ،  المشكلة إنه مش شجر ولا ورد ، أقصد مش حاجات مستحيل تإذى ، انا مكنتش خايفة منه ودا شئ مخوفنى
سمعت صوت أسماء وهى بتقولى صباح الخير ، أنا بعرف إن ف يوم جديد إبتدى من " صباح الخير " اللى بتقولها
العالم بتاعى دايما فيه ضوء ، دايما منور ، علشان كده مش بفرق بين صبح وليل
قعدت جمب شجرة مستنية أحمد يجى ، هو قالى إنه هيجى وأحمد مش شبه البشر اللى بره علشان يكذب
- مستنيانى بقالك كتير ؟
إبتسمت - لأ ، مش مستنياك
- مش عيب نكذب ؟
- كنت مستنياك ، أنا كنت مستنياك من وقت ماامشيت إمبارح
- وأنا مستنيكى مسافة عمر يااحنان
حركت جفونى بسرعة ووقفت باصة لعيونه وساكتة
- مش هتعرفينى ع صحابك ؟
قولت بسرعة - أنا مليش صحاب غيرك
شهقت - لأ قصدى  ..
- مفيش هنا غيرنا صح  !
- الدنيا بتاعتى مكنش فيها غيرى ، ودلوقت إنت جيت
إبتسم - يعنى كنتى مستنيانى  !
ضحكت - مسافة عمر باين
- بتعملى إيه هنا بقى ؟
- بلعب ، بضحك ، بغنى ، تعرف ؟ أنا بحلم بالعالم ده من عشرين سنة ، بحلم بالدنيا وهى هادية ونورها فيه لسعة برد ، الدنيا هنا كانت نقصاك
- واثقة فيا ؟
- مليش غيرك
- وهناك مش هيكون ليكى غيرى ، الناس مش كلها وحشة ، بس لازم يكون ف فئة كده علشان نفرق بينهم وبين اللى فيهم خير
وقفت - أنا مش هبلة علشان أسيب الدنيا بجمالها هنا وأرجع هناك
- بتعرفى تغنى ؟
بصيتله بإستغراب - إحنا بنتكلم ف ايه ؟
ضحك - إنتى نرفوزة أوى
نسيت كنت متضايقة ليه أول مااضحك ، وكنت هقوله - ضحكتك عالم لوحدها ، دنيا تانية تشبه لأياام التسعينات بهدوئها وجمالها
- لأ مش نرفوزة
- أنا همشى دلوقت
- هتجيلى تانى ؟
- لأ
قلبى إتقبض - لأ ليه
- تيجى معايا ؟
- متعملش كده بالله
ضحك - خلاص هجيلك
وأختفى ، أول مرة من شهرين أعيط ، كنت نسيت يعنى إيه دموع ووجع وعياط ، بس أحمد ميشبهش حد ، أحمد جنة والجنة مفيهاش وجع
مكنتش فرحانة ومستمتعة باللى حواليا ، كان ف حاجة ناقصة ، حاجة كبيرة لدرجة خلتنى أقعد حاضنة ركبتى وبعيط على فقدانها ، ف شئ جوايا كانت بيطمنى ، شئ بيقولى إنه ميشبهش البشر اللى بره ، مش بيكذب وهيرجع
حسيت بأسماء بتحركنى وبتدخل ف ايدى حاجة ، سمعت منها كلمة " صباح الخير " فعرفت إنه يوم جديد وإنه هيجى
- صباح الخير
وقفت وانا بضحك زى الهبلة - كنت عارفة إنك هتيجى ، وإنك بس كنت بتخوفنى
- أقعدى عاوز اتكلم معاكى
قعدت قدامه زى تلميذة ، إبتسمت - إتكلم
- بكرة آخر يوم ليا ف المستشفى ، بكرة مهلة الشهرين هيخلصوا ، أنا راهنت إنى هقدر أساعدك مش عاوز أخسر
- مش مهم ، إفضل معايا هنا
صوته إرتفع - أفضل فين ؟ إحنا بشر ، والمفروض نتعامل مع البشر ، مينفعش منتوجعش ، مينفعش نحط قلوبنا ف صناديق ونقفل عليها علشان محدش يمسها بسوء
- أنا مش عاوزة
- الطبيعى نتوجع ، نضحك ، نعيط ، نقوم ونقع ، دى دنيا مش جنة
- انا مش عاوزة
- لازم يكون ف لون أسود علشان الأبيض يبان ، هتحسى بقيمة الفرحة ازاى لو مفيش وجع قبلها ، لازم يكون ف ضد علشان المعنى يوضح
- أنا مش عاوزة
- وأنا مش هقدر 
- خليك بالله
- هتفوقى بكرة
عيطت - مش عاوزة ياأحمد ، إنت فاهم بره ف ايه ؟ فاهم إنت عاوزنى أسيب إيه علشان إيه ؟ هنا مفيش كره ياأحمد ، مفيش أطفال بتموت ف حرب ، مفيش إغتصاب ودم وقتل ، كل حاجة هنا لونها أبيض وهادية ، هناك مفيش حب ، هنعيش ازاى من غير حب ؟
شاورت ع اللى حواليا - أنا مش هقدر أسيب هنا ، جربت هناك مرة ومش هرجع
- إنتى مش عايشة
- عيشت لما أنت جيت فتمشيش
مسك راسه - إنتى إزاى صغيرة كده  !
أخد نفسه بهدوء ومسك إيدى - مش إنتى واثقة فيا ؟ أوعدك هحميكى ، أنا معاكى وجمبك ومش هسيبك
- بس إنت هتسيبنى دلوقت
ساب إيدى وبعد خطوة
- متمشيش ، هنا مش هتحتاج تحمينى من حاجة
بعد خطوة - أحمد والله هنتإذى بره ، مش هنعرف نعيش واحنا لازم نعيش ، انا عاوزة أعيش
بعد خطوة - الدنيا هنا هتضيق لو مشيت ، إنت كده بتقتل العالم الوحيد اللى أعرفه ، أنا مُت هناك ، مش عاوزة أموت هنا كمان
إختفى وسابنى والدنيا فجأة ضلمت ، أول مرة الليل يظهر وأنا بخاف من الضلمة ، حنان كانت بتكذب ، حنان بتخاف من الضلمة ، حنان بتخاف لما بتكون لوحدها
حضنت نفسى وبكيت ، مش لو كان حضنك هنا مكنتش عيطت  !
أسماء قالتلى " صباح الخير " بس مكنش صباح ، الليل فضل ماسك ف إيدى وهو غايب فالصبح رفض يطلع
سمعت صوته بيكلمها ، إستنيته يجى هنا ومجاش ، أسماء خرجت وهو فضل ، بس فرق بينا عالمين ، فرق مابين وجع وضحكة
- فتحى عيونك
إنت مش هتيجى ؟ مش هشوفك ؟ إنت قولت مش هتسيبنى ، إنت بتكذب زيهم ؟
- مش قدامى غير ساعة يااحنان فوقى بالله
مش هسيب هنا ، مش هينفع أسيب هنا
لمس إيدى - فوقى بقى
كان ممكن نخلق عالم تالت لينا وبس ، عالم تكون راضى عنه ومتسيبش ايدى فيه أبدا
سمعت صوت تانى - مش يلا ياادكتور أحمد ؟
لأ مش يلا ياادكتور أحمد ، لأ مش هيمشى ، لأ
- مش عاوز أسيبك متسبنيش وفوقى
حسيت بإيده بتتسحب من إيدى ، لأ إستنى ، أنا هكبر ومش هكذب تانى والله متمشيش ، بس نعيش هنا ، هناك مش هنعرف نعيش
الهوا كان بيقل وصوته بيتردد " فتحى عيونك " وكل حاجة هنا ماسكة إيدى
سمعت صوت قفل الباب ، قعدت بفستانى الأبيض ف ركن مكنش يساع غير جسمى ، بصيت للسما ومعيطش ، كنت فاكرة إنى إتخلصت من القعدة دى والوجع ده
أى مكان فيه بشر لازم يسيب مكانه نغزة تشق الروح
أسماء مبقتش تقول " صباح الخير " والليل هنا من إسبوع ، والدنيا الواسعة إتحولت لحضن صغير مش لقياه ففضلت واقفة ف البرد أبكى ، شوفت غيابك عمل إيه  !
- بتفكرى فيا ؟
شهقت وكنت هقع - أحمد !
- كنتى بتفكرى فيا ، صح ؟
- لأ
- مش قولنا مرة عيب نكذب ؟
- إنت هنا إزاى ؟
- للأسف وعدت وكان لازم أرجع
- مش هتمشى تانى ؟
- والله أبداً
- وهنعيش هنا ع طول ؟
بص للسما وكأنه بيفكر - تفتكرى سيدنا آدم وستنا حوا أخدوا وقت قد إيه ع مااكل البشر دى أتولدت  !
ضحكت ، مسك إيدى وهو بيضحك - ماهو مينفعش نعيش لوحدنا كده ، تفتكرى هناخد وقت قد إيه ؟
سمعنا صوت أسماء بره وهى بتقول - دكتور أحمد كتب ورقة قبل مايحقن نفسه ويدخل ف غيبوبة إننا ننقل سريره جمب سرير حنان

" حتى قبل أن ألتقيك لم نكن أغراباً "

#أسميته_أحمد
#حنان_سعيد

اسكريبتاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن