الفصل الخامس : مجلس العظماء (97)

30 4 4
                                    

97
الفصل الخامس: مجلس العظماء
البارت السابع والتسعين
الاصوات تداهم رأسه
"مت ، قاتل ، مجرم ، لعنة ، اذى "
اصوات كثيرة تتجول برأسه وهو جالس في منتصف غرفته المظلمة والفوضوية ، يرى كل العالم ملطخ بالدماء ، عاجز عن البكاء ، يرى القبور والجثث تحت قدميه ، يراهم يركضون باتجاهه لقتله ، يراهم يمسكون باشكال الاسلحة ، لا يريد الهروب ، يريد ان يطعنه اياد بتلك السكينة ، يريد ان تشنقه لميس بذلك الحبل ، يريد ان ينحره اسامة بذلك السيف ، يريد ان يكسر مراد عظامه بتلك العصا ، يريد ان يحرقه وليد بتلك الولاعة ، يريد ان يفجره الحارث بتلك القنبلة ، يريد ان ينهال عليه البرق بالضرب ، يريد ان يموت ، باي طريقة ، بأي شكل ، الموت يداهم افكاره المشتتة ، يدعوه للقدوم قبل الاوان ، يريد الذهاب ، ترك العالم ، يريد الراحة ، الطمأنينة ، الامان ، يريد ان ينتمي لحفرة شاهدتها ليس عليها اسمه ، هو ميت في نظر العالم لكنه على قيد الحياة ، مالذي سيحدث الان ؟ اليس الموت حلًا صحيحًا ؟
جالسًا على الارض امام المرآة وهو يضع المسدس على رأسه ، وعندما فتح زر الامان ، جاء يطلق ، فُتح باب الغرفة
"ياللهول "
سمع صوت رائد ، التفتت ببطئ والمسدس لايزال على رأسه واصبعه على زر الاطلاق ، جاهزًا مستعدًا ، حتى انه كتب رسالة الانتحار ، يريد المغادرة .
اقترب رائد بسرعة وسحب منه المسدس وقال بصوت مرتجف
"وسام ! مالذي تفعله "
نظر وسام لرائد ولم يتحدث الا بعد مدة
"اريد النوم للابد "
"لماذا تريد اذيتنا ؟ لماذا تريد زيادة الامنا "
"لماذا لا تدعوني ارتاح "
"لن ترتاح بالموت ايها الغبي الجبان "
امسك وسام رأسه المملؤ بالاصوات ، ثم وقف وحين وقوفه شعر بجسده يهوي للارض ، وسائل حار ينهمر من انفه ، مسحه ووجد بقعًا حمراء .
"انت تنزف !"
"انا بخير "
وضع يده على رأسه وصرخ فجاة
" فقط اصمتوا "
شاهده رائد بقلق وهو يصرخ بالهواء ويضرب رأسه وانفه ينزف ، وقد اوقفه من محاولة انتحار وشيكة .
حالته اسوأ من اي مرة اخرى
جلس وسام على سريره ومسح انفه الذي توقف نزيفه بسرعة
"دعنا نذهب للمشفى "
هز وسام رأسه بالنفي
"كلا انا بخير "
"تبًا لك ايها الصعلوك الغبي قم وتعال معي للمشفى "
"رائد ، ارجوك ، اتركني"
"وادخل عليك المرة القادمة لاراك جثة على هذه الارضية ؟ انسى الامر سوف اخذك للمشفى مجبرًا "
.
خرج الطبيب من الغرفة وشاهد هتان ورائد واقفين ووسن جالسة بعيدًا والخوف يلتهم اضلعها
"اذا كيف حاله ؟"
هز الطبيب رأسه بالنفي
"انه اسوا من اي وقت مضى ، فقد رغبته بالحياة تمامًا ، امراضه الجسدية ازدادت ، وحالته النفسية منتهية تقريبًا ، من الذهان الى محاولة الانتحار ، الارق والامتناع عن تناول الطعام ، والحزن ، الهلاوس والقلق ونزيف الانف وانفلات الاعصاب ، كلها مؤشرات غير صحية ، انا اعتذر لقول هذا لكنه مستحيل ان يتعالج خارج مصحة نفسية ، واذا لم ننقله لمصحة نفسية سنجده غدًا قاطعًا لاوردة يده"
كلًا من هتان ورائد كانت عيونهم تذبل عند سماعهم لكلام الطبيب الذي تابع وهو يقلب بالملف
"حتى تواجد الانسة وسن او انتم لن يفيد بل سيزيد الامر ، سيظن انه مجبر لحمايتكم ، سيظن انه حاملًا ثقلكم على كاهله ووجوده يعرضكم للخطر ، انه يعاني من عدم استقرار بمعدل ضربات القلب ، ضعف في الجهاز التنفسي ، ارتفاع في ضغط الدم ، الارق سبب له اضطراب في التركيز ، هذه اسوأ حالة مرت علي خلال سنوات عملي ودراستي "
"الحل الوحيد نقله لمصحة ؟"
"اجل ، الانعزال ، والتفكير ، في مكان هادئ سيساعده ، ومع جلسات العلاج النفسي العادي والدوائي ، لا استطيع الجزم بالعلاج لكنها افضل طريقة "
"لننقله "
"اخشى ان يرفض "
"هو لا يهتم بذاته الان لذلك ، سنجربه ، سينزعج في اول اسبوع بعد ذلك سوف يعتاد "
"كم سوف يبقى بالمصحة ؟"
"انا اقدر شهرًا وقد يكون اقل او اكثر حسب تقدم العلاج او تباطؤه "
.
دخل الباسل وقال وهو ينظر للجهاز اللوحي
"سيدي وصل تقرير وسام "
نظر سلطان للباسل وكلام وسام الذي نقله له الباسل عالق بذهنه
(لن اسامحكم)
يعلم مقدار الم هذه الجملة بالنسبة لابنه ، يعلم لأي مدى قد اذاه ولكن في نظر سلطان ، هذا كله من اجل الوطن .
"يقول ان رائد نقله للمشفى بعد ان حاول الانتحار وعانى من الرعاف ، شخصه الطبيب بالانهيار العصبي والاكتئاب الحاد وضطراب القلق ايضًا اضطراب ضغط مابعد الصدمة ، واخيرا اضطراب ثنائي القطب ، هذا وهناك بعض الاضطرابات الجسدية في الجهاز الدوري والتنفسي وضعف في العظام "
سكت سلطان بتفاجؤ ، لماذا ، لماذا وصل وسام لهذه الحال لم يعد يستطيع انكار انه السبب ، انه القى بابنه في الجحيم وانتظر منه ان يطفئ النار ويخرج سليمًا ، القاه في البحر وتوقع ان ينشّفه ويخرج بدون بلل ، ما مقدار النجاح الذي كان يتوقعه ، الخسارة بالنسبة لسلطان كانت اسوأ ، خسر ابنه من زوجته الاولى ، خسر ثقة ابنه الثاني ، خسر حب ابنته ، خسر عائلة ، خسر الحياة بمعناها الدافئ .
"لهذا تم نقله لمصحة نفسية في محاولة مستميتة للعلاج ، يتوقع الطبيب مكوثه لشهر فيها "
"لا نستطيع الاعتماد على وسام في اي عملية بعد الان "
"اجل ، لا نستطيع توكيله بما خططنا له "
"انهي مهمته الى حين علاجه واسحب كل ممتلكات الاستخبارات "
"كما تأمر سيدي"
طُرق الباب بهدوء
"ادخل "
دخل رامي رئيس هيئة الادعاء العام في المدينة وصافح سلطان الذي دعاه للجلوس فقال رامي
" تم استلام نادية ووضعها في زنزانة انفرادية بدون نوافذ ، المحاكمة بعد يومين وهذا اسرع ما استطعت الحصول اليه بعد ان تواصلت مع الرؤساء و كبير القضاة في المحكمة العليا "
"عمل جيد يا رامي ، الخطوة التالية ، نحتاج الى احد هذين الحُكمين ، اما الاعدام وهو الافضل ، او السجن المؤبد وهو ما سوف يضطرنا لعملية اغتيال داخل السجن"
"سوف ابذل جهدي للحصول على حكم الاعدام "
"نعتمد عليك يا رامي ، انت شاب واعد وموثوق والمكافاة جاهزة"
"واجبي الوطني هو مكافاتي يا سيدي "
تذكر سلطان حديثه مع وسام ، الواجب الوطني ،فكر سلطان ، هل ما فعله لابنائه هو واجبه الوطني؟
.
دخل للغرفة البيضاء ، لم يُعامل كمجنون تمامًا كما توقع بل بالعكس ، غرفة في قسم الشخصيات المهمة ، ثلاجة بمشروبات مرطبة ، سرير مريح ، نافذة كبير مطلة على البحر ، تلفاز ذكي ، حمام كبير .
وحده في هذه الغرفة ، وضع الممرض حقيبة وسام على الطاولة وامره بالاستلقاء على الفراش ، تنهد واستلقى ، شبك الممرض المحلول الوريدي بيده ، وناوله الادوية المسكنة ، ابتلعها هو بطاعة ، وغادر الممرض بعدها ، جلس وسام يتأمل الغرفة المشرقة ، وهو يتأمل حاله ، وهو لايزال شديد الحزن ، وافكار الموت تراوده ، جسده مضطرب يشعر بالالم في صدره ، ويفقد طاقته وقوته ، وقف ، سار في الغرفة ساحبًا المحلول الوريدي معه ، الملل هو اكثر ما يجول بباله الان ، مالذي عليه فعله ؟ لا يعلم فكر بالاستحمام لكن المحلول الوريدي يمنعه
.
بعد يومين
قاعة المحكمة العظيمة ، القاضي ، هيئة الادعاء العام ، المذنب ومحامي الدفاع ، الصحافة والحاضرين ومن بينهم الباسل ، رامي ممثلًا لهيئة الادعاء .
"سيدي القاضي ، و أسألك نظرًا لافعال هذه المرأة الشنيعة ، من تعنيف الاطفال وتجارة المخدرات والاسلحة ، وادارة العصابات الاجرامية ، واستئصال الرحمة من قلبها ، تخليها عن اطفالها و الشروع بالقتل ، جرائم تجعلها مذنبة ومقصرة في واجبها الانساني ، والوطني تجاه هذا الوطن الذي رباها واطعمها ، هذه المراة يا سيدي القاضي هي مثال على التجرد من الانسانية والعطف ، مثال على نكران الجميل واذية الانفس البريئة بغير حق ، تؤذي الناس وهي واثقة ان الضرر لن يودي بها الى حكم المحكمة العادل ، لا وجود لقلب في مثل هذه المراة ، مثل صخرة على قارعة الطريق يقف قلبها ، لا ضميرًا ولا شعورًا ، لم تؤثر بها مشاهدة اطفال المدارس يموتون بعد تعاطيهم للمخدرات ، ولم تستيقظ لها ذرة من الانسانية حينما شاهدت شابًا في عمر الثالثة عشر يموت بسبب ديون القمار الغير شرعي ، مالذي تستحقه مثل هذه المرأة الفاسقة التي لم تؤدي اي من واجباتها لا كمواطنة ولا كامرأة ولا كأم ولا حتى كأنسان ، ليس لديها حجة او دليل او برهان ليمنع حكمكم العادل -"
"اعتراض "
"مرفوض ، تابع ايها المدعي"
"ان تواجدها هنا وهي بهذا البرود لا يبدي اي ذرة من الندم ، تتواصل مع اعداء بلادنا لتدعمهم بالسلاح والمال وبهذا تمول الاعمال الارهابية الغير قانونة وشرعية وغير انسانية ، تلقي باطفال انجبهم رحمها لتعلمهم الشوارع معنى حب الوطن ، تقتل اطفالًا بغير وجه حق واعظم جريمة لا تغتفر هي قتل الانفس البريئة ، تعتقد نفسها حكمًا عادلًا وجد في الارض ، وتظن انها سوف تنجو بفعلة لا حجة لها ، ومن منبري هذا سيدي القاضي ، اناشد سعادتكم وهيئة القضاة الفاضلة ، بحكمٍ عادل يليق بجرائم هذه المرأة "
"هل للدفاع ما يقوله؟"
"اود ان اقول ان موكلتي لم تبع المخدرات للاطفال "
"اعتراض ، معلومات مضللة"
"مقبول ، توقف عن الدفاع بغير منطق ايها المحامي"
وقف رامي وقال بهدوء
"هل يمكنني استدعاء شاهد سيدي القاضي؟"
"موافق ، ادخلوا الشاهد الاول"
فُتح باب المحكمة ، لتدخل هذه الشاهدة التي يتميز شعرها باللون الاسود الحالك وعيون بنفسجية لامعة ، بيضاء ونحيفة بشدة ، ترتدي طقم رسمي فاخر من اشهر الماركات العالمية ، واقراطها اللؤلؤية المعروفة .
وقفت في منبر الشاهد
"ايتها الشاهد ليان كامل ، هل تقسمين على قول الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة "
"انا اقسم على قول الحقيقة ولاشيء غير الحقيقة "
"اذا ابدأ التحقيق ايها الادعاء"
وقف رامي واقترب من ليان وسأل بهدوء
"سيدة ليان هل يمكنك توضيح علاقتك مع نادية ؟"
"انا ليان كامل اعمل لجهاز الاستخبارات الوطني كمساعد خارجي ، كنت متواجدة في مجلسٍ غير قانوني كجاسوسة مزروعة و كانت نادية تدير المجلس ، باعمال القتل والسرقة وتجارة المخدرات والاسلحة ، وتمويل الارهاب "
"كيف لكِ الثقة ان تخرجِ وتتحدثِ عن مهمتك بهذه السهولة اليس هذا ممنوعًا "
"انتهت المهمة وبهذا انتهى دوري بجهاز الاستخبارات ، انا مجرد محامية انسانية تريد ان يضع حدًا لهذه التصرفات الغير عقلانية والجرائم الشنيعة التي سببتها هذه المراة وعصابتها الاجرامية"
"هل يمكنك اعطائنًا دليل على كلامك ؟"
"هذه مقطع تسجيل صوتي ، مسجل لمحادثة نادية معي وهي تطلب مني التغطية على جريمة قتل "
"شكرًا لكِ انسة ليان انهي تحقيقي بهذا "
وعاد رامي لمكانه وتكاد ابتسامة النصر تزرع بوجهه
"ابدا التحقيق ايها الدفاع "
"انسة ليان هل تم تسجيل هذا المقطع الصوتي بطريقة قانونية ؟"
"اعتراض ، سؤال مضلل "
"مرفوض"
اغلق رامي فمه بغضب عندما رُفض اعتراضه وسمع رد ليان
"انا اعمل لجهاز الاستخبارات الوطني الذي اعطاني تصريحًا للقيام بكل ما يستلزم ، كما انني اسجل جميع المكالمات الصادرة والواردة من هاتفي ، لا اعتقد ان هاتفي يمس بخصوصية نادية ، الا تظن ذلك سيدي المحامي؟"
سكت المحامي الذي ارتجفت يداه
"انهي التحقيق هنا "
.
بعد اسبوع بالضبط
قال القاضي بهدوء
"بعد انتهاء جلسة الحُكم وبناءً على جرائم نادية احمد الفظيعة وادلة الادعاء المثبتة ، حكمت المحكمة حضوريًا باعدام المتهمة نادية شنقًا حتى الموت "
"يحيى العدل"
#انتهى

Crime حيث تعيش القصص. اكتشف الآن