الفصل الخامس : مجلس العظماء (98)⛈️

23 4 1
                                    

98
الفصل الخامس: مجلس العظماء
البارت الثامن والتسعين
حدق بالسقف ، بلا هدف ، التفكير لا يتوقف ، والمشاهد المأساوية لا تغادر ذاكرته ، جالسًا في غرفة المشفى البيضاء والمطلة على البحر ، مالذي دفعه لفعل كل ذلك ؟ ماهو السبب ؟ لم يعد يعرف شيء ، اقصى امنياته الموت ، يظن ان فيه راحةً له ، جرب كل الطرق ، كره الجميع لأنهم حاولو منعه من الموت ، لا يجد طعمًا في حياته ولا سعادة ، مالفائدة اذن ؟ تنهد تنهيدة طويلة مريرة ومعبرة ، ثم رفع رأسه للامام لينظر له ، مبتسمًا برعب ويقول باسنانه شديدة البياض
"انت قاتل "
اومئ وسام ردًا عليه والكلمات تكاد لا تخرج من فمه
"كله بسببك ،مُت "
"الموتُ لا يريد زيارتي"
وارخى رأسه مجددًا على ركبته
"الا تفقه انك انت من تعانده وتأبى الذهاب اليه؟ انظر ان الموت موجود بكل زاوية من زاوية هذه الغرفة، موجود في هذه النافذة ، و تلك المرآة "
"حتى الموت بلا فائدة الان"
"لا تكذب على نفسك"
جفل وسام ونظر للاعلى لانعكاسه بالمرآة
"نحن نريد المغادرة بشدة لماذا لا تعترف"
"نعم نريد الموت ، دعنا نمت"
لم يكن يحاول حتى انكار افكاره الانتحارية ، كان مستسلمًا خاضعًا لها ، وكأنها الحل الامثل الذي بحث عنه كثيرًا ، وسام ملّ من الهروب ، لم يستطع غير تغطية وجهه من كثرة الاصوات في رأسه ، الاصوات التي تأمره بالموت ، صرخ بقوة من شدة الاسى صرخ باعلى صوت لديه حتى برزت اوداج رقبته وتحشرج صوته .
فجأة سمع وسام صوت باب الغرفة والتفتت له والدمع بعينيه
.
وقف امامه وقال
"مالذي تريده يا هتان؟ انت مبكر جدًا "
"جئت اسلم التقرير "
"قل"
"الطبيب سوف يبدأ معه جلسات العلاج النفسي عصر الغد ، ووصفو له مضادات اكتئاب ومراقبة على مدى ٢٤ ساعة خوفًا من محاولات الانتحار او ايذاء النفس ، طبيب الجهاز التنفسي وطبيب القلب يقولان انه يتحسن و طبيب التغذية يحاول ايلاء المزيد من الاهتمام لوجباته "
اومأ سلطان وقال
"حسنًا تابع العمل الجيد "
كان يظن ان هتان سوف يستاذن ويخرج الان لكنه لم يتحرك
"اتريد قول شيء اخر ؟"
"نعم سيدي"
"تحدث "
"اريد ان يتم نقلي لمهمة اخرى "
"ماذا؟ انا لن اعارضك او امنعك لكن ايمكنك توضيح السبب؟ هل تشاجرت مع وسام؟"
هز هتان رأسه بالنفي وقال
"ان حالة وسام الصحية اسوأ من السابقة لذلك لا جدوى من البقاء معه ومحاولة اقناعه بالحياة لانه لن يقتنع ، انا قلق عليه حقًا لكنني لن اقف مكتوف اليدين ، انا اطلب هذا من اجلي ومن اجله ومن اجل الوطن "
سكت سلطان بحيرة من وجهة نظر هتان الذي ظل متمسكا بوسام طوال الفترة الماضية رغم الصعوبة
"حسنًا ، كما تشاء ، سوف ابلغ الباسل بالامر "
.
رفع مقلتيه الحزينة للباب وهو يتمنى ان لا يزوره احد ، كان قلبه مثل قنبلة موقوتة ، كان سينفجر بكاءًا او غضبًا في اي لحظة ، لم يعد تستطيع تمثيل انه بخير امامهم بعد الان، هو حتى لا يعرف ما هية مشاعره ليعبر عنها بالطريقة الصحيحة ، لكنه شاهدها تدخل وتتوسع حدقتها عندما رأته.
جالسًا على الارض وحوله قطع زجاج متناثرة من المرآة ، وجزء من المرآة معلق بالحائط ، كانت اصابعه مملوءة بالجروح ، وعينيه ضائعة وباهتة .
اقتربت منه وجلست بجانبه وقالت
"اخي "
بقي يحدق فيها بشتات بدون اجابة لكنها تابعت
"انا هنا "
امسكت بيده المجروحة بلطف وقالت بصوتها الهادئ الحنون
"انا بجانبك ، لن اتركك "
اومأ وسام بهدوء وقال
"وسن ، لماذا انتِ خائفة ؟"
هزت رأسها بالنفي وانتقلت يديها لوجهه مسحت على خديه بلطف وقالت
"انا لست خائفة ، انا مطمئنة لانك هنا ، ولم تتركني ، اخي ، انا احبك "
"انا ايضًا احبك ، وسن ، مالذي كنت سوف افعله لو غادرتِ يا اختي"
.
دخل رائد المبنى وانزل نظارته الشمسية التي كانت تغطي عيونه الكهرمانية اللامعة ، وضعها في جيبه واستمر بالمشي متجهًا لمكتب سلطان ، جاهلًا سبب استدعائه ، خائفًا من الاسوأ .
طرق الباب ودفعه للداخل وقال
"طلبتني يا سيدي"
بوضوح ، رائد لم يكن عنصرًا من عناصر الاستخبارات او القوات الخاصة لذلك كان مرتاحًا في تعامله مع سلطان لكن ذلك لم يجعله يفقد احترامه ، بالنسبة لرائد كان هناك شكلان لسلطان ، والد صديقه المفضل ، ورئيس الاستخبارات القاسي ، وكونه اتى اليوم لمقابلته بصفته الشكل الثاني ، كان رائد ملتفًا باحترام يُستغرب منه .
"اهلا بك يا رائد ، اجلس"
"شكرًا لك سيدي انا مرتاح هكذا"
"رائد ، اخبرتك ان تجلس ، لا تجعلني اكرر الاوامر مرتين "
سكت رائد بنظرةٍ باردة على وجهه ، كان يجهل سبب استدعائه ، ولم يكن يحب كونه مستدعى للاستخبارات ، هو كان يحب العمل تحت امرة رجل واحد ولم يهتم للباقين ، وكون الرجل للذي يعتبره رئيسه مريض الان ، اعتبر رائد نفسه في اجازة ، واستدعاء سلطان له كان مدمرًا لخططه .
"انت تعلم ان حالة وسام حاليًا ليست جيدة ، ولاكون صريحًا لم يعد يفيدنا استخباراتيًا "
لم يتفاجأ رائد ان سلطان يتحدث هكذا باريحية عن ابنه ، هو لم يره ابدًا مهتمًا بوسام ، حتى عند زيارته لوسام ، كان ملتفًا بالبرود كأنه جاء يطمئن على كلب الصيد الخاص به ليس ابنه ، لذلك كان رائد لا يفضل التعامل مع سلطان.
"حتى ان خرج من المصحة ، وسام بالنسبة للاستخبارات منتهي الصلاحية ، لذلك ، هذه المؤسسة تطلبك في واجب وطني ، خذ مكان وسام ، كن بطلًا للعدالة "
بالكاد استطاع رائد الا يضحك بسخرية ، كان الامر اشبه باستخدام منديل ما ، ثم يتسخ المنديل فتلقيه في سلة القمامة ، تنهد رائد داخليًا
"ماهو رأيك ؟"
"سوف اخذ المهمة بشرط "
"قل "
"ان لا تمنع اخي من عيش حياة طيبة "
كان يعلم من يقصد رائد ( اخي ) كان يعني وسام وكان سلطان محتارًا ؛ هو يظن انه لم يمنع وسام ابدًا من عيش حياة طيبة لذلك كان شرطًا غريبًا ، لكنه بنفس الوقت كان يعلم ان رائد يعتز بوسام كثيرًا ، لذلك اومأ بموافقة وقال
"لك ذلك ، وقع على تعهد السرية وعقد العمل وسوف تأتيك التعليمات "
وقع رائد وهو يظن ان اخذه لمهمة وسام مزعج لكنه لا يستطيع اعطائها لشخص اخر
.
كان مستلقيًا على الفراش بعد ان نظّف العامل غرفته من الزجاج ، هناك بين عروقه ابرة المحلول الوريدي ، التي جعلته يشعر بالدوار والنعاس ، كان المهدئ قويًا .
سمع صوت الباب يُطرق فقال بصوت ضعيف من النعاس
"ادخل "
سمع صوت كعبٍ عالي يرن في الغرفة ، بدون ان ينظر عرف من القادم وقال
" تأخرتِ"
"انا اسفة يا وسام كان لدي الكثير من العمل ، اتشعر انك بخير ؟"
"اجل انا بصحة جيدة "
لاحظت كارما ان صوته مخدر للغاية كما انه مبحوح ومتحشرج ، فابتسمت بحزن ووضعت حقيبتها على الطاولة وعلقت معطفها وجلست بجانبه وامسكت يده
" انا مسرورة لانك تتحسن "
"انا ايضًا ، كيف هو حال شركة والدك ؟"
"ليان والمدير يتعاملون مع الامر انا فقط اوقع الموافقات "
"هذا جيد "
كانت كارما ترتدي بنطالا عالي الخصر باللون الابيض ، وقميصًا رسميًا باللون الاسود ، ومعطفًا خفيفًا من الكتان ، كان زيًا مريحًا للغاية .
لاحظت كارما ان وسام يكاد يغرق بالنوم فقالت بابتسامة
"يبدو انك تريد النوم ، سوف اغادر "
لكنها لاحظت انه كان ممسكًا بيدها ، وفجاة سحبها لتصبح مستلقية بجانبه على الفراش الصغير وقال
"لا تتركيني ، لا ادري مالذي سوف افعله لو بقيت لوحدي"
شاهدت كارما الضمادات التي على يده وتنهدت واسترخت بجانبه وهي تشعر بالدفئ والحُب .
فقال وسام الذي كان حقًا متخدرًا
"كارما "
"اجل ؟"
"انا احبك "
جفلت كارما ، كان اعترافًا مباغتًا ، جعلها تشعر بالفراشات بقلبها ، شعرت بالسعادة واستلطفته اكثر حينما لاحظته نائما ، احتضنت جسده وخلدت للنوم معه .
.
"وسام ، انا هنا "
رفع وسام عينيه وشاهده امامه مرتديًا الابيض و بابتسامة لطيفة
"وسام، لا تقلق علي ، انا بخير "
"انا- انا لست قلقًا ، انا مشتاق اليك "
"وسام ، اخي الصغير العزيز ، لا تبكي "
لاحظ وسام ان عينيه فاضت بالدموع وسمع صوت اسامة الذي يربت على رأسه
"كن سعيدًا ، كن ممتنًا ، كن شجاعًا "
لم يقل اسامة ( كن قويًا ) لا فائدة للقوة الان .
عندما حاول وسام التحدث سمع صوت طفل يخرج منه وحدق بيديه الصغيرتين ، والمكان الابيض حوله تحول للمنزل القديم ذو الاضائات الصفراء والارض البيضاء ، اصبحت حوله لوحات عتيقة ومزهريات من الخزف الجميل ، واسامة امامه يمسك يديه ويبدو ان عمره بين ١٢ و ١٤ سنة .
"وسام ، انتبه لوسن ، ولا تستلم ابدًا ، انت تستطيع فعل الكثير ، انت ذكي وقوي ولطيف ، انت افضل اخ صغير بالعالم ، لذلك ، احذر من اليأس ، وتأمل الناس من حولك ، تأمل الحُب المحيط بك ، تأمل التضحيات التي يقوم بها من حولك لانهم يحبونك ، تأمل الدفئ في عيون من تحب ، ذلك ما يجعلك قويًا يا اخي "
ابتعد كل من الجفنين عن المقلتين ، لم يستطع غير الابتسام من الحلم الجميل الذي راوده ، شعر بالدفئ والسلام ينتشر بقلبه ويهدئ عقله المشوش ، ظن انه وجد الاجابة الشافية التي بحث عنها .
عندما استوعب ان استيقظ من النوم شعر بالتنميل في ذراعه فرفع عينيه ليشاهد فتاة جميلةً شبيهةً بالملاك بين ذراعيه ، فتاةً يحبها ويعزها ويخاف عليها ، فتاةً يشتاق لها حين تغيب ، فاحتضنها واغلق عينيه عائدًا للنوم .
.
فتح عينيه وهو يشاهدها واقفةً امامه وقال
"متى استيقظتِ ؟"
"قبل قليل ، على المغادرة يا عزيزي "
وقبلّت خده وانتشلت حقيبتها وغادرت مسرعة
فابتسم وسام ، تواجد كارما ووسن معه اليوم جعله يشعر بكثير من التحسن والسعادة ، وظهور ذكرى جميلة في حلمه اشعره بمزيد من القوة .
فابتسم وجلس ونظر للممرضة التي اتت لتعطيه وجبة الافطار ، وتخبره بموعده مع الطبيب النفسي .
.
مكبلةً بالاصفاد سائرةً نحو سيارة نقل السجناء، ابتسمت بسخرية وتذكرت ، وهي تدخل السيارة تذكر كل شيء ، كل الاحداث ، ظهور سلطان امامها ، القبض عليها ، المحاكمة ، الحُكم ، تخلي ابنها عنها .
الصاعقة التي لم تصدقها كون وسام تخلى عنها ، وسلّمها بنفسه للباسل ، بعيون محتقرة لها ، وكأنه تخلص من العقبة الوحيدة امامه ، جلست على الكرسي ، وحدقت بالسقف والاصفاد ولا شيء غير السخرية بملامحها، هي تسخر من نفسها ، وتسخر على نفسها ، وتسخر من اللامنطقية التي تحدث هنا ، هي ظنت انها مهما فعلت فابنها لن يتخلى عنها ، لكن كلماته ترنّ في اذنها كالطبلة الصاخبة .
'انتِ لستِ امي ، وهو ليس ابي ، جميعكم انانيون'
'انتِ وهو كلاكما السبب ، انا لن اسامحكم ، يستحيل ان اسامحكم'
'لست اقتلك لانه ليس من مصلحتي ، لم يحن قلبي ولا لانملة'
لكنها ادركت متأخرًا انه دمجها مع سلطان في كل اللوم ، لام سلطان ايضًا ، شعرت بقليل من الانتصار ليس على وسام او على الدولة ، شعرت بالانتصار على سلطان ، الذي هو مجرد رجل عديم المشاعر بالنسبة لها.
عندما وصلت السيارة لمنتصف الطريق ، سمعت نادية صوتًا عال للغاية ، صوت مزعج وكأنه مروحية ، ثم استوعبت انها مروحية حقيقية تطوف فوق السيارة ، حتى هبطت امام السيارة ، وبدأ الاشتباك بين سيارات سوداء مريبة ومعهم المروحية ضد سيارات الشرطة والشرطة السرية والاستخبارات ، وبين الاشتباك رأت قفل السيارة يُفتح بعد ان اخترق الباب بضع حبات من الرصاص ، خرجت مسرعة وشاهدت رجالًا لا تعرفهم ، لكنها تعلم ، انهم يتبعونه ، ذلك الرجل ، الذي تسبب في كل شيء ، الذي كان الجميع يركض في راحة يده ، اسرعت لتركب المروحية التي اقلعت فورًا بعد ان ركبت هي للمروحية
#انتهى

Crime حيث تعيش القصص. اكتشف الآن