الفصل الخامس : مجلس العظماء (95)

24 4 0
                                    

95
الفصل الخامس: مجلس العظماء
البارت الخامس والتسعين
يحدق بالفراغ ، بصمت ، بلا هدف ، الاحمرار تحت عينيه ، جالسًا في شقة مظلمة ولا شيء غير ضوء الشمس الخفيف الذي يتسلل من الستائر ، يتنهد مرارًا ، والدموع منسابة على خديه ، نظر للسقف والحزن يضايق قلبه ، وقف بترنح ، فتح باب غرفة النوم وتسللت لانفه رائحة عطرٍ جميل ، جلس على السرير وتنهد مجددًا ، نظر حول الغرفة و رأى ورقة صغيرة مطوية ، عقد حاجبيه وامسك الورقة ، فتحها ، ووجد صورة ، لا يدري متى التقطت ، سلطان وهو واسامة وهتان ، متكاتفون جميعًا ويبتسمون للكاميرا ، انفلتت دموعه ، اجهش بالبكاء ، قلبه يعتصر المًا ، انسى كل من رحلوا ، هذا الفقيد هو الذي زعزعه اكثر من غيره ، هذا الفقيد هو الذي انتشله من ما كان فيه والقاه لبؤرة مظلمة .
فتح الدرج الذي بجانبه ووجد عدة اغراض و ظرف ابيض مكتوبٌ عليه ( الى حين موتي يا اخي ) اخذ الظرف ووضعه في جيب سترته ولا قوة له على قرائته الان .
وقف وغسل وجهه في دورة المياه ثم خرج من الغرفة بل من الشقة باكملها وتابعه هتان
.
جالسة في غرفة الجلوس وامامها الحرس ، ترتدي رداء المنزل المريح ، و لم يبدو على وجهها اي علامة توتر قلق او خوف ، هادئة مثل مكعب ثلج في مجمد
"لقد توفي السيد ماجد "
لم تتزحزح كارما ، لم يبدو عليها الحزن ، جالسة بهدوء وهي تحدق بالشمعة امامها
"ولقد كان هناك جثة امراة واحدة "
"هل نجى احد "
هز الحارس رأسه بالنفي وتابع
"الكل مات ، لم ينجو احد ، ونحاول البحث عن الفاعل ولكن ليس مضمون ان نجده "
"لا يهم ايجاده ، لكن ابحثوا ، واستدعي الانسة ليان "
اومأ الحارس والجميع متفاجئ من كارما وكيفية تعاملها مع الامر ببرود ، وكأن الامر لا يهمها ولا يعنيها ولم يكن والدها الذي توفي ، اما كارما فهي لم تكن تعلم مالذي يجدر بها فعله لكنها بالتاكيد لم تكن حزينة .
.
طرق الباب وفتح له سمير ، دخل وسأل بصوت هادئ
"اين وسن ؟"
"بالاعلى ، سوف اناديها ، ارتح هنا "
جلس وسام في غرفة الجلوس وهو يدلك رأسه ورفع رأسه للخادمة وقال
"احضري حبوب مسكنة للصداع "
اومأت الخادمة لكن اوقفها هتان وقال
"كلا ابقي هنا "
ثم التفت لوسام الذي نظر له بعدم فهم وقال
"انت تحتاج للنوم ليس للحبوب المسكنة ، كما انك تناولت حبتين في بيت اسامة ، ان كنت تحتاج المهدئات اخبرني ولا تقم بفعل شيء اخر "
سكت وسام ووضع رأسه بين كفيه بصمت ، والصداع يدمر خلايا رأسه ، هو يشعر ان جسده باكمله في حالة تنميل ، المشي صعب والتحدث صعب ، يشعر انه منهك تمامًا وظهره مكسور ، يشعر باشياء مؤلمة ومزعجة كثيرة .
نزلت وسن وقالت بعيون قلقة
"مالامر يا اخي ؟"
اقترب منها وسام واحتضنها بشدة ، حبسها في حضنه وبادلته هي ، حتى سمعته يبكي ، وشعرت بدموعه تبلل كتفها ، هنا قبض قلبها وشدت على عناق اخوها ، وربتت ومسحت على ظهره ولا تعلم لماذا بدات تبكي هي الاخرى ثم سمعته يقول
"اسامة غادر "
لم تستوعب ، لم تفهم ، لم ترد ان تفهم او ان تستوعب ، ارادات ان تكذبه و بلا وعي ضربت ظهره بقوة وقالت
"انت تكذب "
اجهش وسام وهو لازال محتضنًا لها واجهشت هي الاخرى بالدمع والشهقات المتتابعة ، احتضنها ليذكر نفسه انها لازالت بجانبه ، انها على قيد الحياة ، انها تحتضنه .
قبّل رأسها وهو يحتضنها بين ذراعيه ، يود لو يستطيع حبسها بين يديه ، يود ان يمنع الانذال من الاقترب منها
.
دفع الباب ودخل ووجهه مظلم لا يدري كيف سينقل الاخبار
"باسل من الجيد انك اتيت ، اتصل بهتان واسال عن الاولاد"
سكت الباسل ونظر لسلطان المتوتر وهو يهز قدمه بلا توقف ، ويطقطق اصابعه .
"سيدي "
"مالامر ؟ تحدث ؟"
حدق الباسل في رئيسه وهو لا يعرف مالكلمات التي يجدر به نقل الخبر بها ، لم يعرف كيف يرتب كلامه ، كيف ينسج الجمل ، نسي حروف الهجاء وعلوم النحو ، مالذي سيقوله ؟ كيف سيهدأه اذا انهار ؟ ماهي افضل جملة يقولها ؟
"اسامة توفي "
"ماذا؟"
"ابنك الاكبر اسامة ، قد مات "
سكت سلطان والتفت للصورة التي على مكتبه وتنهد ثم وقف والتفت للباسل وقال
"لا تدع احدًا يتبعني "
اومأ الباسل وهو يعي انه يجب عليه ان يترك سلطان وحده
.
دخلت وجلست امام كارما التي تضع طلاء اظافر ثم ترفع نظرها لها
"ما رايك باللون ؟"
"انه يجعل لون يديك اكثر اسمرارًا "
"حقًا ؟"
تنهدت ليان وقالت
"كارما هل انتِ جادة ؟ والدك توفي "
"نعم صحيح ،ماذا ايضًا "
"كان هناك جثة امراة معه في القارب ، عرفت هويتها "
"من هي؟"
"ريناد ، انها دبلوماسية معروفة ، واكتشفنا انه كانت لديها علاقات مشبوهة مع والدك "
سكتت كارما ونظرت لليان ثم قالت
"انا لا افهم هذا الرجل حقًا ، يلقي بامي بعيدًا ليقابل هذه المراة القبيحة ، لم اتوقع انني سوف اقول هذا لكني ممتنة لان امي ماتت قبل ان تسمع هذا "
ثم نظرت لهاتفها الصامت على غير العادة اليوم ثم سالت ليان
"لماذا لم اعد اراكِ كثيرًا هذه الايام؟ لا تتحججي بكثرة العمل "
"نسيت اخبارك ، ارتبطت برجل "
اعتدلت كارما بجلستها وسالت بتعجب
"حقًا ؟ من ؟"
"رجل اعمال مشهور ، الم تجدي لكِ رجلًا بعد ؟"
"لا اعلم هل اعتبر نفسي وجدته ام لا "
.
اوقف سلطان سيارته ولم يكن معه احد ، لا حارس ولا سائق ولا مراقب .
دخل البيت ، بيت قديم فيه ذكريات ، سمع اصوات الاطفال وهم يركضون بالبيت ، سمع صوت هتان ووسام يتعاركان واسامة يفصل بينهم ، سمع صوت وسن تبكي لان حلوتها سقطت ، سمع صياح نادية عليه ، سمع وسام يضحك بشدة لان وسن ارتدت قميصها بالمقلوب ، دخل المطبخ المتهالك ليسمع صوت وسام يحكي للخادمة عن يومه لان والدته لم تكن تستمع له ، سمع صوت وسن تطلب من وسام ان يقتسم معها الشوكولاة ، سمع صوت هتان يطلب عصيرًا من الخادمة ، سمع صوت اسامة يطعم وسام ويأمره بعدم سكب الطعام على الارض، دخل غرفة الاولاد ووجد سريرًا بطابقين ، سمع صوت اسامة يحكي قصة قبل النوم ، وهتان يتذمر من القصة السخيفة ، ووسام نائم بعمق راميًا غطائه بعيدًا ، اتجه لغرفة نومه ، سمع صوت وسن تتطلب منه ان يدعها تنام معه وهي عاجزة عن نطق اغلب الحروف ، رأى الالعاب ملقاة في زوايا المنزل ، والنور مشرقٌ في الارجاء ، ولكن الان ، الظلام ، وحده الظلام هو الذي انتشر فوق رؤوس هذه العائلة ، الاسى والحزن يلتهم قلوب افراد هذه العائلة ، والالم الذي يجوب صدورهم بلا توقف .
.
"ماجد قد مات "
"انتهى المجلس اذًا ، لم يبقى من الرجال احد "
"نعم سيدي ، لا اظنني استطيع البقاء هنا "
"مالذي تعنيه يا نادية ؟"
تنهدت نادية ونظرت لكوب الشامبانيا الذي بيدها
"يجب ان اغادر البلاد ، سرعان ما سيقبض علي وسوف أُعدم "
"سنحاول تهريبك في اقرب فرصة "
"شكرا لك يا سيدي "
واغلقت الهاتف وتنهدت
.
القى جسده على الكرسي امام البحر ، يشعر بالدوار لا يعلم كيف وصل الى هنا ، تعب من البكاء طول اليوم ، تعب من مواساة الجميع له ، تعب من الاستمرار في فقدان الاشخاص ، اراد ان يصرخ اراد ان يلقي بنفسه للبحر ، اراد ان يترك الحياة لعله السبب ، اراد الموت حقًا ، من سوف يخفف عنه؟ من يستطيع حقًا ان يبعد عنه فكرة الموت ؟ من سوف يستطيع ان يرجعه للحياة ؟
وقفت امامه
"انت قتلت ابي صحيح "
اومأ وسام بدون ان ينظر لها وقال بصوت مهتز
"قتلته "
جلست بجانبه وسمعته يقول
"ان اردتِ قتلي فاقتليني ، انتقمي لوالدك "
نظرت لهتان الذي يراقب من بعيد
"حتى ان اردت قتلك لا استطيع "
ثم صمتت للحظة ورأته يضع رأسه بين يديه ويقول
"والدك قتل اخي "
لم تقل شيء بل نظرت للبحر وقالت
"تعازيي لك "
هز رأسه
"كارما ، اريد الموت "
"لا تمت ، انا لازلت هنا "
"كيف اعود للحياة ؟ كيف سوف تعيديني للحياة "
"اصمت وعش ، هذا ما يريده اخوك وهذا ما لم يكن يريده ابي "
وتنهدت والتفتت له ، حاوطت جسده بيديها الرقيقتين ، ووضعت رأسه على كتفها ليبكي عليه ، بقت تربت عليه طويلا .
#انتهى

Crime حيث تعيش القصص. اكتشف الآن