❣part 103❣
إنتهت مدة رحلتنا في سويسرا...حان موعد الوداع مع أناس دخلوا لحياتنا مؤخرا لكن كانوا كأن لنا سنين تعارف معهم...لم أكن أود الإبتعاد عن الخالة ناريمان لما لقيت منها من حنان لم أشأ الإفتراق عن هاته المرأة الحنون التي صبت كل عطفها علي..لكن لابد من عودة فأشغالنا وأعمالنا بانتظارنا باسطنبول...
الخالة ناريمان: سأشتاق إليكم يا شباب..سأحن لضحككم..وحركتكم في هذا البيت الذي ملأتموه بهجة وسرور..بالرغم من قصر مدة تعارفنا إلا أن معزتكم في قلبي كانت بمعزة إبني سليم..
هازان : وأنت كنت بمثابة الوالدة لنا..وارتمت في حضنها باكية قائلة: شكرا لك يا خالة..عوضتني حنان الأم الذي لم أعهده يوما في حضنك..شكرا لكل كلمة عطف خرجت من فمك العطر ..شكرا لكل كلمة حب..شكرا لكل ما فعلتموه من أجلي يا خالة...
تأثر الجميع بذاك الموقف الذي جمع غريبتين فيما بينهما وشكلا لوحة الأم وابنتها..دمعت عينا العم كريم وكان يعتليه شعور أن لهازان علاقة بالماضي الدفين للخالة ناريمان الذي لم تعد تعهد منه شيئ...قاطع اندماج الخالة ناريمان وهازان صوت ياغيز قائلا...
ياغيز: هيا هيا..كفاكما دموع..حبيبتي تعلمين أن دموعك غالية..ولا يجب أن تهدر ..تمام؟
الخالة ناريمان: هازان في أمانتك يا بني..لو لم يكن إجبارا لما تركتك من بين أحضاني يا ابنتي..لكن لكل زهرة مطرحها عليها العودة إليه...لكن وعد سأكمل أشغالي هنا وأعود لاسطنبول...
سليم: أكيد ستفعلين يا أمي..لا تنسي لديك شراكة مع هازان..فأنا سأكون مسافرا طوال الفترة القادمة..
هازان: خيرا سيد سليم!!
سليم: وافقت سلين على عمل العملية..وبطبيعة الحال سأكون بجانبها وقربها..سأذهب معها لأمريكا...
هازان: أم أنك اعترفت بحبك يا هذا!!!
سليم: لم أعترف يا هذه..لتستعد عافيتها بعدها لأعترف لها..لا تخافي ستكونين أول من يعلم حين اعترافي لها..
هازان: ليعد الله لها بصرها..وليسعدكم مع بعضكما طوال العمر..سليم هل لك أن توصل سلامي لأخي بأمريكا فقد اشتقت إليه كثيرا..
سليم: ومن أين لي بمعرفة أخيك يا هاته؟وأين سألتقيه...
هازان: يكفيني أن تقول ما طلبت منك في شوارع أمريكا فستصله الكلمات حتما ..فسيكون هواؤك نفس هوائه أليس كذلك؟
سليم: أنت حقا مجنونة يا هذه...تمام سأفعل هذا..وسأحاول قدر الإمكان الإلتقاء به..وسأعيده معي حين عودتي يا مدللة..تعالي لحضني تعالي..
ياغيز: لربما يوجد من يمنع حضنها لشخص غيره أليس كذلك سليم؟
هازان: وما دخلك يا هذا..بين أخ وأخته؟تعالى يا أخي لحضنك..تعالى..ولتفقس عيون الغيور هذا..يقول أن السويسريات أجمل مني.
ياغيز: أمممم..عدنا لذات الموضوع...تقولين أنه سحب البساط مني.إيه.فلتحضني أخاك إذن...
يافوز: هيا هيا لنكمل مراسيم الوداع هذه التي لا أحبذها أصلا لأن موعد طائرتنا قد قرب..
بهار: ولا أنا أحب طقوس الوداع..لكن ما العمل فلكل لقاء وداع..هذه سنة الحياة..
الخالة ناريمان: وأنت كنت مثل ابنتي يا بهار يشهد الله على حبي للطاقتك وعفويتك..ليبقى وجهك هذا ضاحك..ثم اقتربت منها حاضنة إياها مكملة الهمس في أذنها:ولتمسحي غمامة الحزن التي تعتليك يا ابنتي..
بهار انصدمت من كلام الخالة ناريمان واغرورقت عيناها بالدموع قائلة: كيف لك أن تري يا خالة شيئا لم يستطع فهمه أقرب الناس إلي..أنت حقا هبة الله لنا..فلتزورينا في اسطنبول ولا تتركينا نجابه الحياة وصعابها لحالنا يا خالة..فنحن حقا بحاجة لحضن دفئ يكون مرجعا لنا حين حزننا..
الخالة ناريمان: حين يعايش المرء الألم طوال حياته يراه على وجوه العابسين أمثاله..سألحق بكن لاسطنبول يا ابنتي..لا تخافي.
بهار:وهل أنت عبسة في حياتك يا خالة؟
الخالة ناريمان: قصتي لا تحملها الجبال من شدة قسواتها..سأقصها عليك يوما ما..
يافوز: أووه..ما المماويل التي تحاكونها فيما بينكم..يا سيدات؟ستفوتنا الطائرة يا فتيات...
بهار:تمام تمام..لنذهب إذن...هيا لنتعانق عناق الوداع يا جماعة...
لكل بداية نهاية..ولكل نهاية بداية..وقد تكون نهايتنا هي البداية....تكون بداية حياة الإنسان عند ولادته..ونهايته حين وفاته..لكن أحيانا يلعب القدر بنا..ليجعل بدايتنا غير كل البدايات..ونهايتنا ليست ككل النهايات...حين يأمل الإنسان ويظن أن الأيام المظلمة انقضت وذهبت وأن ما سيأتي سيكون عبارة عن نور يشع في كل الأماكن..حينها تتعتم حياته أكثر فأكثر..غير أن وقوف أحبائنا بجانبنا يكون شمعة مضيئة في فضاء عتمتنا...ظننا أن كل الآلام انقضت وذهبت في رحلتنا هاته..إلا أن الحياة ستكشف لنا عن مغامرات وخبايا لم تكن في الحسبان..فيا هل ترى مالذي ينتظرنا؟ومالذي سيصيبنا؟...ها قد عدنا لتركيا يكفي الإنسان استنشاق هوائها العليل لبث الأمل ولو القليل ليمضي بقية حياته العتمة...قررت العفو على والدي ومصالحته إذ أنني بحاجة له حقا..وبحاجة لحنانه وعطفه حتى وإن لم يعوضني عن أمي إلا أنني محتاجة ولو القليل...