36 يوم من الربيع

1.2K 134 777
                                    

يمكن للوقت أن يعود إلى وراء، وبالقدر الذي نريده ونتوقف عنده.. في الذاكرة فقط

فقط الروح هي من تتحرك متنقلة بين كل ذكرى والأخرى، تجمع خطوطها العريضة وتضيع عنها التفاصيل أمام كل الثواني المخزّنة والمسجلة في العقل.. حتى وإن كانت الذاكرة إرشيفًا مرتبًا بلا مساحة محددة للكثير من التسجيلات فهناك ما هو معطّل، يعلق في أجزاء ويتشوش، ثم يُكمِل الباقي متخطيًا دون أدنى اهتمام بـ ضياع الجزء المعطّل

عودة للوراء مرورًا بذكريات ليالٍ ربيعية.. تجاوز خلالها كريستوفر بالفعل الرقم عشرين من عمره ببضعة أشهر.. عَقدٌ جديد مع الحياة مضى منه القليل فقط

يدرس بالتأكيد.. لا يستمتع!

أو هذا ما كانت تراه إليانور التي تكبره بـ عام ونيف من الشهور.. ليس وحده فقط! فقد ضمت آليستر إليه في هذه النظرة؛ لأنه يرافقه في وقت فراغه، ثم يعودان لمنزلهما

كان يعيش حياة متزنة في جوانبها المختلفة، أو على الأقل مقاربًا لذلك.. يُنقص مقدارًا من جانب ويزيده في آخر تبعًا لـ مزاجه، ظروفه وما يمرّ به

ما لم يكن يتناسب معه يهمّشه، يجعل اهتمامه الأكبر يأخذ حيّزه ومساحته.. يترك كل شيء يأتي في وقته المناسب ليأخذ مكانه وحقّه واهتمامه

إلى جانب الدراسة فقد كانت عائلته وصديقاه هم المحاور الثلاثة الأكثر أهمية في حياته، ويمكنه فعل كل شيء وأي شيء برفقتهم

لم يكن محتاجًا لأي جموح، كوّن لـ نفسه مبادئه وقوانينه كـ شخص مستقل، شديد الثقة بها وبنفسه وأنه قادر على التماشي، والحصول على المرونة اللازم للتكيف وتغيير ما يلزم ليتلاءم مع وقته الذي يعيشه طالما لا يعود عليه بضرر

خلق لنفسه جموحه الخاص به...

"رجل معقّد".. تعبس إليانور لا إراديًا  كلما ترى وجهه ولا تفارقها صورة الساحر العجوز المتقاعد عن صنع التمائم والأحجبة، صار يقضي وقته على كرسيّه الهزّاز أمام المدفأة وعند النافذة مرتديًا عباءته السوداء وقبعته المخروطية.. ملابسه دليل وحيد على أنه ساحر! وشبابه لم يكن له دليل سوى مظهره

أما آليستر فقد كان بالنسبة لها كـ رجل يسكن غابة في قمة جبل ويعيش وحيدًا حياة بلا أساسيات معتادة كافية.. يصنع أساسياته التي تلائم تفكيره وشخصه، ومع ذلك هو لا يرفض النزول إلى العالم الطبيعي وركوب الموج مع الجماعة.. ليس بحاجة للتخلي عن شيء

على كل حال كانا متشابهين يكاد عقلهما يصبح توأمًا سياميًا للآخر.. هي الوحيدة من تختلف عنهما، لذا قامت بنبذهما قبل أن يتم نبذها هي منهما.. سبقتهما قبل أن يسبقاها

ليست هي الوحيدة التي تراهما غريبا أطوار، الشابان كانا يريانها كذلك! بل مجنونة إن صحّ التعبير، فهل من امرأة بـ كامل عقلها تقوم بـ قفزة بانجي من ارتفاع مئة متر ثلاث مرات في نفس الليلة وفي كل مرة تنهار ضاحكة بعد أن تصل إلى منطقة الهبوط؟

رأيتُ حلمًا... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن