يحتاج المرء الشيء اليسير من الحظ حتى يعبر من خلال يومه، ذلك النوع من الحظوظ الذي لا يمكن إدراكه إلا كـ شيء بديهي يحصل في أوقاتنا.. على سبيل المثال: العثور على طاولة فارغة في صالة الغداء وقت الاستراحة
هي لم تكن بـ طاولة فارغة، ولكنها متاحة للجلوس بما أن ميو من تجلس عليها وحيدة تتناول فطيرة ورأسها والكتاب يكادان يصبحان واحدًا
بكأس الشاي بـ الحليب الورقي اتجهت نحو طاولتها التي كانت ذات أربعة مقاعد تشغل هي واحدًا منهم، وضعت الكأس عليها وجلست مقابلًا لها وأنا أقول: سـ تتسببين بعسر هضم لنفسك ولكل الموجودين في الصالة
رفعت رأسها إلي تمضغ لقمتها حتى ابتلعتها وسألت بـ حيرة: ماذا تقصد؟ أنا أجلس لوحدي ولا أضايق أحدًا!
عقدت ذراعاي أمام صدري وأشرت للكتاب الذي كان واضحًا أنه لمادة الأحياء من الصور التوضيحية الموجودة على الصفحة: لماذا تعذبين نفسك بالدراسة في وقت الاستراحة؟ أريحي دماغك قليلًا
تركت طعامها جانبًا ونفضت يديها: أراجع للامتحان، سيكون في الحصة الرابعة
- رأيتك في الصباح تدخلين صفك والكتاب في يدك، هل كنتِ تراجعين أيضًا في ذلك الوقت؟
- فعلت
- والآن؟
- أراجع أيضًا! ألم تسمعني وأنا أقول ذلك للتو؟
كنت أريد أن أناقشها في هذا الأمر قليلًا، أجادلها بحيث يضيع وقتها في شيء آخر غير الدراسة.. إلا أنني في اللحظة الأخيرة استبدلت كل ما أريد قوله بكلمة واحدة: سمعت...
ثم أشرت لها أن تكمل ما كانت تفعله وهي لم تصدّق خبرًا حتى تعيد رأسها للكتاب.. كنت أشرب الشاي بالحليب على مهلي وأنا أوزّع نظرات عشوائية ملولة لمن حولي، لا أحد منهم كان يدرس غير هذه الفتاة
اليوم الذي قضينا ظهيرته معًا حتى نهاية نشاطها التطوعي كان آخر يوم حظيت فيه بوقت معها لوحدها.. عادت ميو إلى المدرسة ولكن لم تكن هنالك فرصة للحديث بسبب ضغط الحصص الدراسية والاختبارات
تأتي للفصل بعض الأحيان من أجل مرافقة صديقها أوليفر رايتون وهنا يكون حديثنا عابرًا، لا يكاد يُذكَر..
لم أعد أستطيع الحديث معها كما ينبغي، بات من الصعب اقتناص وقت يمكنني خلاله من سؤالها عن حالها بشكل أكثر خصوصية.. على خلاف الفترة التي كانت خلالها علاقتي سيئة بها، كنت أجدها في كل مكان وأُجبَر على تحملها.. حتى أن هذه المصادفات الزائدة عن الحد لحقتني إلى أمستردام وفي أمسية تعارف عائلية!!
والآن عندما التقطتها تجلس لوحدها في صالة الغداء وتتناول طعامها لم أفوّت الفرصة، أردت حقًا أن أقضي بعض الوقت معها ونتبادل الأحاديث، كما يمكنني أذيتها وممازحتها حتى تستجيب لي بغضبها وانزعاجها
أنت تقرأ
رأيتُ حلمًا...
Romanceكنت أعيش حلمًا.. عرفت جزءًا من حقيقته ولكنني تظاهرت بالجهل.. أردت المضيّ قُدمًا فيه وكأنه الطريق الوحيد الذي علي أن أخوضه لقد كان حلمًا هشًا للغاية لم يتحمل ثُقل ذنبي الذي تركته خلفي بلا مبالاة، وتلك الصورة الزجاجية التي سعيت للحفاظ عليها بخوف تكسّ...