على بُعد مسافة قصيرة حيث كان آليستر ينتظر على الرصيف المقابل لمنزل آستيرا تواجد كرسي يكفي لثلاثة أشخاص قررا الجلوس عليه كونه الأقرب والأسهل للوصول
أمامهما سياج شبكيّ مرتفع يُحيط ملعبًا منخفضًا عن السطح المعتاد وحوله مضمار للركض، أما مدرجاته فقد كانت عبارة عن منطقة عشبية مائلة تصل بين المضمار والسياج
رغم خلوّه من الناس بطبيعة الحال إلا أنهما لم يُبعدا عينيهما عنه، فقد كان الشيء الوحيد المتاح للنظر، وصوت الرياح التي تمرّ من بين أفرع الشجرة العارية والممتدة فوقهما هو ما يسمعانه فقط، فمنذ جلوسهما لم يتحدّثا إلا عندما سألته عن سبب الجروح الطفيفة على وجهه واللاصق الصغير الموضوع قريبًا من عينه اليمنى
مرّت بضعة دقائق على أي حال، وهي ليست كافية لتجعل الجو يتوتّر بينهما
هذا ما فكّر به آليستر حتى شعر بأن الدقيقة أصبحت تجرّ وراءها واحدة أخرى، وهذا حتمًا سيكون أسوء شيء يمكن أن يحصل
لقد جاء من أجل هدف محدد، ولكن بعد رؤيتها والجلوس بجانبها لم يعد يعرف كيف يصل إليه
لحسن الحظ أن الصمت انقطع قبل أن يُصبح معدّله طويلًا، وهذا بفضل آستيرا التي قالت: لو كنتُ أعلم بوضعك الصحيّ لاقترحتُ أن نتقابل في مكان قريب من موقع سكنك بدلًا من أن تأتي إلى هنا
هزّ آليستر رأسه نفيًا: لا بأس بذلك، فعلى أي حال سيارة الأجرة من جاءت بي.. لم يكن الأمر متعبًا مطلقًا
- والنظارة الشمسية هذه؟ لا بدّ أن سائق الأجرة رمقك باستهجان لارتدائها في منتصف الليل.. التعامل مع أشخاص كهؤلاء ليس مريحًا للطرفين
أشارت ليده التي كان يمسك فيها نظارته بشكل تلقائي حتى نسي أنه يقبض عليها، فابتسم وأجاب: إن كان لأحد شكوى عليها فيجب أن يوجهها للطبيب، لا ذنب لي سوى أنني أُنفّذ ما قيل لي
قالت متفهمة: إذًا أنتَ هذا النوع من المرضى.. من يصغون لتعليمات أطبائهم ولا يتجاهلونها!
فكّر قليلًا قبل أن يقول: أُفضّل الحفاظ على صحتي عن زيارة الأطباء والاستماع لهم؛ ولأنّ تجنّب الأذى بشكل كامل هو أمر مستحيل فعليّ الحرص على تنفيذ ما يقولونه إن أردتُ استعادة جسدي وعافيتي كما كانوا قبل الحادث
تمتمت آستيرا: عقلية جيدة.. محظوظ لامتلاكها
ثم عاد الصمت مجددًا ليُثبتَ حضوره كضيف غير مرغوب فيه عند آليستر على الأقل، فحاول هذه المرة أن يبادر في طرده بعيدًا
سأل: كيف حالكِ هذه الفترة؟
كان هذا أفضل ما استطاع استخراجه من عقله ليبدأ حديثًا، فهو حقًا سيء في محاولة استحضار الأحاديث الصغيرة
ومن الحماقة أن يتوقع إجابة مختلفة عن: بخير
إلا أن جوابها لم يمنعه من سحب الكلام: فقط؟
أنت تقرأ
رأيتُ حلمًا...
Romanceكنت أعيش حلمًا.. عرفت جزءًا من حقيقته ولكنني تظاهرت بالجهل.. أردت المضيّ قُدمًا فيه وكأنه الطريق الوحيد الذي علي أن أخوضه لقد كان حلمًا هشًا للغاية لم يتحمل ثُقل ذنبي الذي تركته خلفي بلا مبالاة، وتلك الصورة الزجاجية التي سعيت للحفاظ عليها بخوف تكسّ...