قبل أن يخط ضوء الفجر نفسه في الأفق خرجت من المنزل مرتديًا سروالًا قطنيًا أسود وسترة رياضية رمادية.. استقبلتني نسائم خفيفة رفعت على إثرها قبعة السترة لأغطي بها رأسي
تقدمت في المشي بلا أي هدى بين طرقات السكن والسكون يُغرِق المكان، فلا أحد مستيقظ في هذا الوقت سوى الطيور.. وأنا
لم أُحب البقاء في المنزل وحيدًا بينما الجميع نائمون، فحتى ميو بعد أن انتهت من تنظيف الفوضى البسيطة التي خلّفتها وجبتنا الليلة عادت للنوم، وعلى حد قولها من الجيد أنها استطاعت التنظيف ولم تقع في حالة إغماء فور إنتهائها من تناول الطعام
كرهت هدوء المنزل والظلام الذي يغطيه لذلك خرجت، ولكنني لم أستفد من الخروج لأن الوضع غير مختلف مطلقًا هنا.. لا أعلم ما الذي كنت أتوقعه من الخروج والمشي في هذا الوقت.. مهرجان؟
مررت بالبيوت المطابقة لتصميمها بيت عائلة رينيه ولكن لمسات قاطنيها جعلت لكل بيت رونقًا خاصًا به.. كم تمنيت هذه اللحظة لو يحصل خطأ آخر يجعلني أعيش في هذا السكن، كل ما كنت بحاجته خلال السنتين الماضيتين أشعر بأنني عثرت عليه هنا، ولكن هذا هو الحال ولا يبدو أنه سيتغير، أنا مجرد متطفل سيغادر في أي لحظة ويجب ألا أتعلق بالمكان كثيرًا
بعد فترة من المشي دخلت إلى متجر للمواد الغذائية مفتوح للخدمة على مدى أربعة وعشرون ساعة.. اشتريت زجاجة ماء وخرجت بعد أن دفعت حسابها، نزلت الرصيف وأنا منهمك في فتح الغطاء المغلق بإحكام أكثر من اللازم، وفي اللحظة التي فُتِح فيها نظرت للأمام حيث في الجهة المقابلة للمتجر أحد الملاعب المنتشرة في أرجاء السكن
أعدت غلق الزجاجة وبخطوات واسعة قطعت الطريقين حتى وصلت إلى منحدر صغير فنزلته بحذر متجاهلًا السلالم الموجودة على يساري بمسافة بعيدة نسبيًا
قفزت من فوق السياج القصير ووطأت قدماي الأرض ذات اللون اللحمي لمضمار الملعب.. تقدمت بعدها ببطء وأنا أنظر للملعب الواسع والفسيح، والخالي أيضًا.. رائحة العشب الندي التي تحملها نسمات الفجر، والهدوء الطاغي على كل بقعة من السكن، ووجودي وحيدًا في هذا المكان الواسع.. شعرت وكأن هذا كله ملكٌ لي ولا يحق لأحد مشاركتي فيه
وقفت في منتصف المضمار وفردت ذراعاي على استحياء وتنفست الهواء بعمق ثم زفرته مبتسمًا.. هذا النوع من شعور السلام خالجني في صباح الأمس عندما كنت في المدرسة ورأيت المساحات العشبية الكبيرة في الباحة الخلفية، ولكن ذلك الشعور تبخر سريعًا عندما رأيت ميو.. أما الآن فيمكنني التنعم بهذا الشعور اللطيف لأنني الآن وحدي في مكان كهذا
لوهلة حسدت ميو آلونسو لأنها ستعيش في هذا المكان لثلاث سنوات حيث لا ينقصه شيء من وسائل الرفاهية والاسترخاء.. أما أنا....
أجبرت نفسي على قطع الطريق للأفكار التي ستظهر من مقارنتي لوضعي بوضعها.. سأكون جاحدًا لو تضايقت الآن وأنا أعيش هذه الأجواء
أنت تقرأ
رأيتُ حلمًا...
Romanceكنت أعيش حلمًا.. عرفت جزءًا من حقيقته ولكنني تظاهرت بالجهل.. أردت المضيّ قُدمًا فيه وكأنه الطريق الوحيد الذي علي أن أخوضه لقد كان حلمًا هشًا للغاية لم يتحمل ثُقل ذنبي الذي تركته خلفي بلا مبالاة، وتلك الصورة الزجاجية التي سعيت للحفاظ عليها بخوف تكسّ...