56 شكل الحب

1.5K 128 351
                                    

لا عيب في المحاولات باستمرار، ولكن العيب في عدمها كليًا...

إذًا كيف يمكنه أن يصنّف "النيّة في المحاولة" دون أن تخدمه الظروف لينفّذها فعلًا على أرض الواقع؟ لا لوم يقع عليه لأن العقبات تظهر بغتة ودون سابق إنذار، ذلك بكل تأكيد مريح

ولكن يُلام الإنسان عندما يأخذ العقبات عذرًا دائمًا على وقوفه مكانه إلى الحد الذي يَسهُل عليه مستقبلًا الكذب بكلّ برود في نيّته، فما من شخص على وجه الأرض يعرف أبسط ما يدور في خلد الإنسان ليعرف صدق نواياه من كذبها

أخشى ما كان يخشاه في العامين الماضيين هو تحوّله إلى هذا الشخص معدوم الضمير، بحيث لا يوفّر فرصة للتحجج بالعثرات والعقبات كذبًا لئلّا يحاول في أمر ما

وعدم محاولته في هذا الأمر يعني أنه فَقَدَ اهتمامه به.. لم يعد يعنيه.. أخرجه من دائرة حياته مستسلمًا لاستحالة الحصول عليه

هذا كابوس مرعبٌ لـ من يحبّ شخصًا بات صعبًا الارتباط به روحيًا.. امرأة كانت أو رجلًا، والدَيْن أو أبناء، أخًا أو أختًا، صديقًا أو إنسانًا لا يعرفه سوى من الشاشة ويبعد عنه بلدانًا وقارات وحاجز مرتفع من اللغات والثقافات..

كل هؤلاء لهم شكل من الحب، فالحب أوسع من أن يستفرد به نوع واحد.. له العديد من الأشكال وكلها تجمعها روابط محسوسة وغير محسوسة.. لو بدأت هذه الروابط بالتلاشي بسبب صرف الأعذار أو استسلام أو فقدان اهتمام وشغف فهذا سـ يكون عذابًا مؤلمًا لكلا الطرفين أو أحدهما

وعندما تختفي هذه الروابط تمامًا يذهب كلٌ في طريقه دون مبالاة أو مراعاة، فـ الفرص قد تقدّمت حتى اُستنفِذت، والنفس طابت من الحب الذي كانت تحمله في داخلها؛ لذا لا ندم على الهجران، وما يتبعه من ألم احتماله أهون من ضياع العمر على انتظار ما لن يأتي

خطوات قليلة جدًا كانت تفصل كريستوفر عن هذا النوع من التخلّي والهجران من طرف ابنه الصغير، كان سـ يفقد أهمّ شكلٍ من أشكال الحب ويضيع كنزه الثمين الذي أعطى لنفسه قيمة تستحق أن يكمل بها حياته

نعم.. كانت لديه كل أنواع الحجج والأعذار، وكانت أمامه العديد من العقبات والعثرات، وتملّكه التردد والشعور بصعوبة وقسوة الحال في أوقات كثيرة

مع ذلك لم يتخلّى عن النيّة الصادقة لإصلاح ما يمكن إصلاحه مع ابنه وتقصير المسافة بينهما، ولعلّه ارتكب الكثير من الحماقات معه وجعل من ذِكره عند نايت يرتبط بالخوف وعدم الثقة والأمان، وعجز عن المحاولة في غالب المرات حتى يُصلِح ولو جزءًا بسيطًا من هذه الصورة الفظيعة

ولكن فقط عندما بدأت الأمور تتحسّن واستطاع كلاهما أن يكونا أكثر ارتياحًا نحو الآخر.. قرر نايت أن يعطيه شرف الطرد أولًا والجميع من ورائه من منطقته ثم الهرب بعيدًا عنهم وقطع سبيل الاتصال بينهما!!

رأيتُ حلمًا... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن