يقفان جنبًا إلى جنب قريبًا من حافة المطل الذي تظلله فروع الأشجار المتشابكة، ويفصلهما عن انحداره سور خشبي على طول الحافة
الكثير من الأصوات حاصرت المكان.. حفيف الأشجار، زقزقة العصافير، وخرير مياه جارية لا يستطيعان تحديد مكانها ولا رؤيتها، ومراوح الطواحين الشامخة بعيدًا أسفل التل
كان المنظر مكدّس بالأصوات والألوان والأماكن التي يتمنى المرء لو كان له أكثر من عينين حتى لا يفوّت أي تفصيلة منها، ورغم احتشادها فقد تناسقت مع بعضها بشكل مريح ومثير للإعجاب
كان كريس يضرب بمقدمة حذائه الثقيل المناسب لطبيعة الأرض ووعورتها قائم السور المغروز بثبات في الأرض.. ضربات خفيفة جدًا فقط ليتأكد من أنه يفعل شيئًا خلال الوقت الذي مرّ وهما صامتين
انتبهت آستيرا إلى صوت الضربات الخافت فابتسمت بتلكف على تصرفه وقالت: هل تريد العودة إلى منزلك بسرعة؟
توقف عن الضرب للحظة قبل أن يرد عليها: على الإطلاق.. كنتُ أفكّر إن كان من المناسب أن يبدأ الحديث بسؤال مني، فأنتِ من طلبتِ مقابلتي ولا بدّ من سبب يجعلكِ تقطعين المسافة من لايدن إلى هنا حتى تتحدثي عنه
أومأت إيجابًا: إنني ممتنة على قبولك لرؤيتي، فقد أتيتُ إلى هنا مُخفضة سقف توقعاتي اتجاه رغبتك في لقائي إلى أقصى حد ممكن؛ لهذا السبب لم أرتّب كلامي كما ينبغي في حال نجحتُ في الحصول على محادثة معك.. لقد كنتُ مستعدة للعودة خالية الوفاض أكثر من استعدادي للكلام، هذا يجعل أفكاري في فوضى عارمة الآن
- إذًا ألا بأس عندكِ بأن أستغل الفرصة التي نجحتِ في الحصول عليها وأبدأ في التعبير عن تفاجئي باتصالك؟
ثبتت مقدمة شعرها الأسود إلى الخلف بأصابعها بعد أن عبثت الرياح بها وقالت باسمة: يبدو أنني كنتُ خارج حساباتك تمامًا
هزّ كتفيه بلا مبالاة وقال بصوت خافت: بل تفاجأتُ لأن الأمور أصبحت أسهل بشكل غير متوقع...
غطى صوتُ الرياح التي هبّت بقوة على صوته، فقطّبت جبينها وسألت: ماذا قلت؟
تدارك كريس الأمر واستبدل ما قاله سابقًا بكلام آخر: قلتُ بأنني توقعتُ مغادرتكِ لهولندا بعد حصولك على الطلاق
أطلقت تنهيدة كانت تعبر بوضوح عن مدى إرهاقها: هذا ما خططتُ له، ولكن كانت لدى أخي خطة أخرى.. إنه يرفض عودتنا إلى بريطانيا بهذه السرعة وكأنني لا أسعى سوى للهرب.. يريد مني مغادرة هولندا عندما لا يربطني بها أي شخص أو شعور معيّن.. أن أغادرها فقط لأن عملي فيها انتهى، لا أكثر من ذلك أو أقل
- أعتقد أنه لديه وجهة نظر اتجاه قصتك وعن الطريقة التي يجب أن تتعاملي بها معها، ومن الواضح أنها ستُجبركِ على البقاء وقتًا أطول هنا...
أنت تقرأ
رأيتُ حلمًا...
Romanceكنت أعيش حلمًا.. عرفت جزءًا من حقيقته ولكنني تظاهرت بالجهل.. أردت المضيّ قُدمًا فيه وكأنه الطريق الوحيد الذي علي أن أخوضه لقد كان حلمًا هشًا للغاية لم يتحمل ثُقل ذنبي الذي تركته خلفي بلا مبالاة، وتلك الصورة الزجاجية التي سعيت للحفاظ عليها بخوف تكسّ...
