47 هِبَة

1.2K 142 460
                                    

غرف المعلّمين تصبح فارغة شيئَا فشيئًا مع نهاية ساعات الدوام المدرسية.. قليلٌ عددهم الذين يجلسون وقتًا أطول داخلها، وآينس ويليان كان أحد هؤلاء القلّة

مساحة كبيرة وواسعة على طرفيها المتقابلين ترتص المكاتب وفي المنتصف أيضًا.. قد يبدو العدد كبيرًا ولكن لا وجود لأي تكدّس أو شعور بالاختناق، ويعود ذلك لرحابة المكان والنوافذ الكبيرة المصطفة على طول الجدار

وهذه الغرفة لم يكن آينس وحده من يجلس فيها وراء مكتبه، بل معلّم آخر ومعه أحد طلّاب الصف الثاني المميزين ليس دراسيًا فـ حسب، بل لأنه أيضًا رئيس مجلس شؤون الطلبة

كان آينس يجلس مسترخيًا على كرسيّه بعقلٍ بعيد تمامًا عما هو مفروش على سطح مكتبه، استراحة قصيرة يتظاهر بأنه تائه خلالها، فـ الوجهة معروفة سلفًا ولا صعوبة في العودة إليها

لطالما كان شخصًا يسهل تشتيته سواء عن الواقع وعن الخيال، لا يحتاج أحد أن يبذل معه جهدًا ليلفته إلى أي شيء لأنه سيسبقه في الانتباه إلى ما يريده.. عند حلول الأوقات المهمة وما أكثرها يُجبِر نفسه على أن يركّز عليها ويتجاهل ما عداها

سلبية لا يعرفها أحد عنه...

تناثرت أفكاره العائمة في الخيال وتجمّعت أمامه عندما وقعت عيناه على ماكس الذي ودّع معلمه ثم اتجه إليه بعد أن فرغت الغرفة لهما

اعتدل آينس في جلسته بينما سحب ماكس أقرب كرسي من مكتب الأستاذ ليجلس عليه وهو يقول: سمعت أن بعض الاحتفالات الفوضوية حصلت في الشعبة الخامسة عندما لم تحضر حصّتك عندهم اليوم أستاذ ويليان، لم يُسكِتهم شيء سوى خروج المعلّمين من الفصول الأخرى!

ابتسم آينس وقد وصله هذا الخبر مُسبَقًا من زملائه الأساتذة وأجاب بسخرية: القليل من الفوضى؟ قل العديد منها!

- أقول ما وصلني فقط.. ما الذي جعلك تغادر في منتصف الدوام؟

- نتحدّث معًا بعد فترة طويلة وهذا هو سؤالك لي؟

- اعتبره جزءًا من الاطمئنان على أحوالك!

لا يمكن التصدي لمراوغاته مطلقًا.. محاولة فعل ذلك مرهقة من الأساس لـ شخص لا يملك بالًا طويلًا.. الاستسلام له أسهل

آينس: استأذنت من أجل إعادة نايت إلى منزله...

- ما به نايت؟!

سأل مع انفعال لم ينجح في كبحه بالكامل، التشققات في صوته ملأها القلق، عيناه أفصحتا عن حاجة لسماع جواب يخفف من بريق الاضطراب الذي اكتسح حدقتيه الرمادية

حاول أن يعطيه إجابة كافية وليست طويلة حتى تختفي معالم القلق البسيطة التي ظهرت على وجهه وملأت روحه: لقد تعرّض للمضايقة، ولكنه كان متعبًا ورأسه يؤلمه

رأيتُ حلمًا... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن