89 شهاب

1.4K 135 1.5K
                                    

"ما الذي يجدر بي فعله من الآن فـ صاعدًا؟"

فوق أرض عشبية منحدرة داخل أسوار منزل فينيارد جلس ماكسميليان عليها، وظلّ يردد هذا السؤال على نفسه مرارًا.. أعلاه السماء المظلمة حيث النجوم القليلة المبعثرة تسيّدتها في غياب القمر ونوره، ولكنه لم يكن ينظر إليها

خافضًا رأسه المثقل على ركبته المثنية للأعلى، وساقه اليسرى يمدّها مع انحناءة بسيطة.. يلّفه الصمت في وحدته، والبرد القارص يتغلغل في جسده المغطّى بسترة خفيفة لا تجدي نفعًا في جو كهذا

لم يكن يملك هدفًا من مغادرة المنزل سوى أنه أراد الهرب إلى أبعد مكان يمكن أن يصل إليه، وهذه كانت حدوده بعد أن توقف وسأل نفسه عن المكان الذي سيذهب إليه الآن..

لا يعرف أحدًا في هذه المدينة.. إذًا لا يمكنه الذهاب إلى أي منزل

لا يحفظ الكثير من طرقاتها.. يعني أنه لا يمكنه الابتعاد للمسافة التي يريدها، بل وقد يضيع في الحي نفسه أصلًا

لم يأخذ محفظته الموجودة في غرفته، ولا هاتفه الذي تركه في غرفة الجلوس.. لا يمتلك أي وسيلة دفع تجعله يأخذ سيارة أجرة تقلّه إلى أي بقعة في أمستردام

كل هذا جعله ينزوِ عن الأنظار في هذا الجزء البعيد من الحديقة حيث يمكنه أن يبقى متواريًا عن معرفة أي شخص بوجوده هنا...

دائمًا ما كان بهذا الافتقار للحلول التي تُجنّبه ما يؤلمه.. لم يسبق وأن استطاع الهرب من المنزل، أو حتى امتلك الشجاعة ليفعل ذلك

النتيجة المحتومة هي عودته مرة أخرى للمنزل، ولأنه يدرك ذلك جيدًا فإن ما سيلاقيه من عواقب بعدها جعلت من الهروب لأجل نفسه على الأقل شيئًا باهتًا كئيبًا.. لا يستحق قيمة التفكير بشأنه حتى

لم تختلف حياته الآن سوى أن الموقع والشخوص تغيّروا.. حاله لا يزال كما هو

يمكنه أن يسمع هذا العالم يضحك ساخرًا من أمنياته للمرة المنسي عددها

منذ جلس هنا وحتى هذه اللحظة استمرّ في سؤال نفسه.. "ما الذي يجدر بي فعله من الآن فـ صاعدًا؟"

لا يدري كم من الوقت قد مضى حتى الآن، ولكنه كان كافيًا حتى تتجمّد أطرافه وتبيّض من شدة البرد، وحتى يرتعش جسده فـ يحاول كبح هذه الرعشة لكي لا يستسلم ويجد نفسه مضطرًا للعودة دوسًا على خطواته المعاكسة لاتجاهه

لقد عاث الفساد بـ كلّ شيء.. فَقَدَ أعصابه، تسلّط لسانه، لَفَظَ الأكاذيب بلا أي حياء، ونزع عن نفسه الأدب والحذر

ثم اعترف أنه ابن هاريس حقًا..

لم يتسبب إلا في إهانة نفسه فقط...!

إنه لا يصلح إلا لإفساد ما يبنيه لنفسه أو يحاول أحد غيره بناؤه له.. عدوّ نفسه وغيره، شخص لا يمكنه أن يكون حليفًا لأحد..

رأيتُ حلمًا... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن