99 عتاب

727 101 234
                                    

كانت إضاءات المسرح الخافتة مفتوحة.. ضائعة بين جدرانه المرتفعة وغارقة في مساحته الواسعة، وتذوي أنفاسها عند مدرّجاته ومقاعده الوثيرة

جلستُ على مقعد في الطرف يبعُد عن باب الدخول بثلاثة صفوف.. الهواء الجاف، ورائحة الغبار مع الهدوء الذي يلفّ المكان ضربوا في قلبي وترًا من القلق من أن أكون مكشوفًا وسط هذه المساحة الشاسعة

جاءت خالتي من الوراء تحمل في يدها علبتا قهوة مثلجة.. قدّمت لي واحدة أخذتها منها شاكرًا، ثم جلست على مقعدها حيث كان السلّم يفصل بيننا وكلانا على طرفيه

صدر صوتُ فرقعة ملأ المكان من حولنا عندما فتحت علبتها.. أبقتها في حضن كفّيها بدلًا من الاحتساء منها وسألت: هل استعدتَ ذاكرتك أم أنك فقط مستمع للقصة كاملة؟

- استعدتُها.. في نفس يوم ميلاد ماكس، وداخل منزلكم

- لا أعرف ما يجدر بي قوله لك وكيف أستطيع التعبير عن ذلك.. بالحزن لأنك استعدتها في يوم وموقف صعب، أم بالسعادة لأنك لن تُسيء فهم أحد ولن تمرّ بمرحلة تكذيب حقائق أردتَ ألا تعرفها

ابتسمتُ بخفّة: لا أحتاج أيّ مواساة أو دعم منكِ على أمور تخصّني.. يمكنكِ ألا تشعري بأي شيء ولن ألومكِ على ذلك؛ لذا لا داعي للإحساس بالعبء اتجاهي

- جهلي بالكيفية لا يعني بالضرورة إحساسي بالعبء

- آسف.. اعتقدتُ ذلك لأنكِ بدوتِ لي دائمًا كشخص يجد الاهتمام بالآخرين أمرًا مرهقًا

- حتى عذرك لا يدعم صِدقَ أسفك...

قالت ذلك بعد أن تنهدت بقلة حيلة.. لا أقصد مضايقتها بكلامي أو التلميح نحو صفة سيئة فيها، إنه مجرّد ارتباط يجعلني حذرًا منها عندما أجدها مهتمة بشيء ما

إحساس غير مريح يرافقني عند التفكير بشأنها وبقيَ مُلازِمًا لها.. ما يعني أن خالتي ليليث لا تحمل طبعًا سيئًا، بل هي هكذا.. تجد الاهتمام عبئًا فتتركه على عاتق غيرها

تركتُ علبة القهوة في حاملها المعلّق على ذراع المقعد وقلتُ لها: إذًا أخبريني ما أنتِ مهتمة به حقًا! لا أستطيع الاقتناع بأنّك أتيتِ إليّ للحديث في شأن يخصّني، فنحن لسنا بهذا القرب حقًا

انتبهتُ إلى أصابعها التي قبضت على علبتها بقوة بسيطة وكأنها تجمع ترددها فيها بعيدًا عن عقلها وقلبها حتى تقول ما لديها: لقد كنتُ أفكّر بماكس منذ رأيتُه في جنازة أختي ولم يفارق ذهني للحظة، فلم يبدو بخيرٍ على الإطلاق.. عجزتُ عن إيجاد طريقة لرؤيته سواء من ناحيتي أو ناحيتكم؛ لذا عندما رأيتُك جالسًا مع أصدقائك خَطَرَ لي أن سؤالكَ عنه سيكون مثاليًا.. هل هو بخير الآن؟

- إن ماكس بخير، ولطالما كان كذلك منذ أن عاش في منزل ديفاريوس

- هل تسخر مني بكلامك هذا؟

رأيتُ حلمًا... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن