المعارضة والجدال كانا دائمًا جزءان متأصلان في علاقة روبيرتو وكريس.. قليلة هي المرات التي وصلا فيها لنقطة اتفاق ترضيهما
لا يملكان نفس الرأي حتى في أمور عادية، أو أشياء لا مفرّ من حصولها، ويتهمان بعضهما بأنهما السبب في استمرارية جدالهما
كريس ببرودة دمه، وروبيرتو بحساسيّته التي تتزايد كل بعد فترة
الشيء الجيد أنها ليست علاقة مرهقة ومستنزفة لطاقتهما، إنها عفوية تمامًا ولا يتعمدها أحدهما.. كل ما في الأمر أن يتصادف كثيرا تعاكس زاوية نظرهما للأمور
وسريعًا ما تعود الأمور لحالها الطبيعي وكأن شيئًا لم يحصل.. هما متعايشان بهذه العلاقة منذ وقت طويل جدا ودون مشاكل
نزل كريس من الأعلى بعد أن خاض في واحدة من هذه الجدالات مع روبيرتو كان سببها تأكيد تركه لعمله -الذي كان يرفضه الأخير سابقًا-
رغم أنه لم يصرّح لأحد عدا صديقه عن نيته في ترك عمله، إلا أنه كان شيئًا يمكن استنتاجه كونه لم يترشّح مرة أخرى للتمسك بمقعده، ومع اقتراب نهاية فترته أكثر فإن الأمر بات مؤكدًا
لم يأتي والده على ذكر هذا الشيء مطلقًا سوى اليوم، ويبدو أنه كان يؤجل الأمر حتى يتفرّغ تمامًا، فلم يكن هنالك داعٍ للاستعجال بما أن التراجع غير ممكن
أخبره روبيرتو عن عدم فهمه لأمره مطلقًا، فمن المعروف أن من يدخل السياسة لن يستطيع ترك هذه العالم بسهولة
ليس لأن ذلك صعب، بل لأن الطموح يصبح أكبر ويتوق لما هو أعلى وأكثر مما يمتلكه السياسي.. إنه طمع المكانة
ولكن الأمر مختلف تمامًا بالنسبة لكريس، فهو لم يدخل بإرادته في هذا العالم حبًا وشغفًا فيه.. كان يفضّل أن يبقى في دائرة النيابة لو أن الأمور لم تتخذ منحنى غريبًا معه
الآن أصبح مُتعبًا بالفعل من كل هذا، ويريد أن يخلق الفرصة حتى يرتاح، وقد جاءته جاهزة بدون أي بحث عنها
اعتقد في البداية أن والده كان يمهّد لعدم اقتناعه بهذا القرار، ولكنه تفاجأ عندما عبّر بانزعاج عن حقيقة ما يفكّر به قائلًا "لا تخبرني بأنك تريد أن تصبح عاطلًا عن العمل في هذا العمر!!"
كان يعتقد بأنه سيعاتبه على قراره العشوائي في ترك السياسة، تمامًا كما حدث عندما أراد دخوله.. ففي النهاية العالم ليس تحت تصرّفه ليدخل ويخرج من أي مكان كما يشاء
ولكن تعليقه هذا وضّح له بأن روبيرتو لا يزال على نفس رأيه السابق ورفضه لمجال السياسة؛ لذا هو ليس مهتمًا بحقيقة تركه له
بل ما يهمّه أن كريس فعلًا قد يصبح عاطلًا عن العمل إن كان قراره هذا اعتباطيًا وبدون خطة
كان روبيرتو سيصاب بالجنون فعلًا لو عرِف في لحظة قوله هذا الكلام أن ابنه وجد فكرة "العطالة" جيدة وتناسب مزاجه وطاقته المنتهية هذه الفترة
أنت تقرأ
رأيتُ حلمًا...
Romanceكنت أعيش حلمًا.. عرفت جزءًا من حقيقته ولكنني تظاهرت بالجهل.. أردت المضيّ قُدمًا فيه وكأنه الطريق الوحيد الذي علي أن أخوضه لقد كان حلمًا هشًا للغاية لم يتحمل ثُقل ذنبي الذي تركته خلفي بلا مبالاة، وتلك الصورة الزجاجية التي سعيت للحفاظ عليها بخوف تكسّ...