40 عدميّة

1.2K 141 471
                                    

صباح اليوم التالي كان غائمًا وملبدًا.. ليس فقط جوًا، بل حتى فيما بيننا بدا الوضع ثقيلًا وضبابيًا لا ينفذ منه النور.. ثقيل وكاتم علينا، والرؤية رمادية كـ فيلم حزين

نحن الشمس المضيئة والنار المشتعلة.. نخبو اليوم ونختار الراحة من تراقص لهيبنا وثورته، نأخذ جانب التكاسل ونلفّ أنفسنا بشريط أصفر يمنعنا من تجاوز المنطقة المحظورة، وقوّة بعضنا تأخذهم إلى خلاف ما نحن عليه من تخاذل

يوم دراسي كأيّ يوم سبقه لا يخلو من الرتابة وإنتزاع الألوان من أوقاتنا، نفسياتنا ومزاجنا كلاهما يعيدان تلوين اللحظات المتدفقة، وابتساماتنا السعيدة تخلق الزهوّ من العدم

كنا كما نفترض أن نكون كأشخاص، تحكمنا حالتنا النفسية وننقلها لمن نتحدث معهم، وبالتالي كنت طبيعيًا مع الجميع عداه هو.. شيون

في المقابل كان ذات الأمر يحصل.. ابتساماتنا المتوترة، ونظراتنا المترددة، إيماءاتنا المرتبكة.. الكثير حقًا قد صنع حاجزًا رقيقًا بيننا في تعاملنا

"هل حصل شيء بينك وشيون؟".. سألني سامويل ونحن واقفين عند الخزائن خلف مقاعد جلوسنا، قطع نقاشنا بشأن عمل المجموعة وطرح عليّ ما لاحظه تساؤلًا، وبطبيعة الحال نفيت ما يظنّه

لو كان الأمر عليّ، ولو كان سهلًا حقًا.. كنت سأرغب وبجدية أن أكتم حقيقة فقداني لـ ذاكرتي عنه؛ لأنني كنت أعلم بأن شيئًا ما سيتغيّر، بعض المسارات ستتبدل، وتروس قد تعكس اتجاه سيرها.. لن أمتلك القدرة على السيطرة والتحكم فيما سيحصل بعد ذلك

عن كل شخص اعتز به، أريد إخفاء هذا الأمر.. لو علموا فلن يظل كل شيء بيننا على حاله، وأوّل ذلك النظرات التي سـ يرمقونني بها خفية رثاءً لحال الفتى الذي لا يملك ذكريات، ولا يفهم وجوده.. للفتى الذي يشبه طفلًا وليدًا يفرقه عنه أنه يُدرِك ضياعه، وسيبقى يتذكر أبد حياته هذا الحال المرعب

بعد نهاية الحصة الأخيرة كنت أقف عند خزانة مجموعتنا أراجع ملف مادة الأحياء والذي يقع تحت مسؤوليتي.. أضيف أعمال الآخرين إليه كلٌ خلف اسمه، وأتأكد من أن أنشطتنا الجماعية ليست ناقصة.. أراجع مُقلّبًا الظروف الشفافة واحدة وراء الأخرى وعقلي يتذكّر الترتيب الصحيح للأوراق

عندما أوشكت على الانتهاء من المراجعة جاء شيون من مكانه إليّ، وقف مستندًا على الخزانة.. تركيزي على ما بين يديّ قد زاد.. لم أستطع أن أرفع رأسي له حتى عندما سألني: هل تبقّى لك الكثير هنا؟

أوقفت تقليبي ووضعت يدي على صفحة ناعمة بسبب الظرف الشفاف.. أومأت نافيًا وقلت: لا.. لحظات وسأنتهي

عدت أكمل التقليب بينما هو لم يتحرّك من مكانه، بقي ينتظرني حتى انتهيت وأعدت الملف إلى داخل الخزانة.. أغلقته وأسقطت المفتاح في جيب سترتي الرمادية

رأيتُ حلمًا... حيث تعيش القصص. اكتشف الآن