اشتدّت برودة الجو أكثر بشكل ملحوظ، ولم يكن مُستغربًا رؤيتنا نحن الطلاب نرتدي معاطفنا الثقيلة حتى داخل المدرسة وفي فصولنا لتحتفظ أجسادنا بدرجة حرارة ثابتة
بهذه الطريقة يُصبِح الخروج إلى الباحة حيث الهواء البارد رفاهية ومتعة لنا، ولكن عندما يدفع السحب الرمادية نحونا وتُمطِر فإن الجميع يفضّلون البقاء والمشاهدة من وراء زجاج النافذة
حتى عندما يكون المطر خفيفًا وبالكاد يبلل الأشجار والأرضيات والنوافذ كما هو الحال الآن.. لا أحد مهتم بسقوطه، أو ربما هم غير منتبهون أصلًا من شدّة خفّته...
كنتُ أقوم بمهمة طلبها أخد المعلّمين مني في المعمل، وبعد أن أنهيتها له خرجتُ إلى الردهة الواسعة للمبنى وقد كانت فارغة تمامًا.. مشيتُ حتى وصلتُ إلى الجهة الخلفية من السلّم، حيث لن يراني من ينزل منه، والأمر نفسه بالنسبة لي
ولكن عندما اتخذتُ طريقًا مائلًا يقرّبني من صعوده استغربتُ من نزول آندريه وهو يجذب بيير خلفه من ذراعه، وكأنه يُجبِره على اتّباعه وفي يده حقيبة قماشية
لم ينتبه أحدٌ منهما إلى وجودي، واستمرّا في طريقهما حتى غادرا المبنى.. وقفتُ مكاني للحظات حتى اتخذ قرار عدم التدخل بينهما، ثم بدأتُ في صعود السلّم
في حين أن ريو كان ينزل وبشكل طبيعي خمّنتُ أنه سيلحق بصديقه، وبمجرّد أن لمحنا بعضنا سأل على الفور: هل رأيتَ آندريه في طريقك نايت؟
أشرتُ دون الالتفات للوراء: لقد خرج قبل قليل.. مع لورانس
- جيد شكرًا لك
ولكنني أوقفته من يده قبل أن يتخطّاني، ولا أعرف إن كان من حسن الحظ أو الغرابة أنه لم يعبّر عن انزعاجه من سحبي له بتقاسيم وجهه.. كان هادئًا جدًا وموافقًا على اعتراضي طريقه
- ما الذي حدث ريو؟ رأيتُ آندريه يُجبر لورانس على المشي معه دون رغبة منه!
تركتُ يده عندما ضمنتُ أن لن يغدر بي ويهرب، وأجابني: كما العادة.. كان لورانس يزعجه إلى أن حاصر آندريه في زاوية ضيقة جعلته يفقد أعصابه، فسحبه معه ليتصرّف بشأنه
كان آندريه يبدو كمن قرر أن يصمّ أذنه عن لورانس ويتركه يثرثر كيفما يشاء.. شيء يشبه عدم الانحطاط إلى مستواه العقلي
ولكن بالفعل حتى لو أن الإنسان أراد تكبير عقله عن توافه الأمور فإنها ستصل إلى مرحلة تصبح فيها مستفزة ولا ينفع السكوت عن تماديها
وهذه اللحظة التي سيضع فيها آندريه حدًا لسخافة لورانس كان يجب أن تأتي في أي لحظة؛ لذا الأمر لا يدعو للعجب في الحقيقة...
لورانس الأحمق.. كان عليه فقط أن يشعر بالحياء من تجاهل آندريه له ويعتبرها فرصة ليتراجع عن أي شيء قد يضرّه حتى لا يتم سحبه كالماشية إلى خارج حظيرتها
أنت تقرأ
رأيتُ حلمًا...
Romanceكنت أعيش حلمًا.. عرفت جزءًا من حقيقته ولكنني تظاهرت بالجهل.. أردت المضيّ قُدمًا فيه وكأنه الطريق الوحيد الذي علي أن أخوضه لقد كان حلمًا هشًا للغاية لم يتحمل ثُقل ذنبي الذي تركته خلفي بلا مبالاة، وتلك الصورة الزجاجية التي سعيت للحفاظ عليها بخوف تكسّ...