١٢

3.6K 73 2
                                    

مساء الغد عاد الى المنزل في وقت متأخر، استحم وارتدى بدلة سوداء.. وقف امام المرآة متأملا، لم يرتدِ شيئا رسميا هكذا منذ زمن.
رمى ربطة عنقه على كتفيه، لا يحب ان يربطها بنفسه، يفضل تركها تفعل هذا.
احاط نفسه بهالة عطر خفيف، تأمل وجهه والهالات التي تغور فيها عيناه.. لقد استهلك كثيرا من السجائر قبل ان يستحم، ومع ذلك يشعر بالحاجة الشديدة للمزيد الآن، يعرف كم سيكون يوما ثقيلا.
خرج من غرفته ذاهبا إليها.. كان مستعدا لتفريغ توتره بها اذا لم تكن جاهزة..
فتح الباب بهدوء.. كان ظهرها باتجاهه.. فستانها الخمري مفتوح من الخلف إلى منتصف ظهرها الصافي الجميل، والذي من الواضح أنها أقامت الكثير من التعديلات عليه كي يكون خاليا من الآثار.. شعرها الكثيف متناثر على كتفيها.. التفتت حين شعرت بدخوله، بلع ريقه، شفتاها المكتنزتان.. اكمام فستانها الطويلة كفتحته التي كشفت عن ساقها من جانبه.. زينة خفيفة جدا على وجهها، ورغم ذلك كانت ساحرة.
قالت بهدوء: جاهزة.. لحظات فقط.
ايقظه صوتها من سكرته.. تحمحم.. قال بقسوة مخفيا ذهوله: ما هذه الملابس؟ كم مرة قلت لكِ لا ترتدِ شيئا عاريا كهذا؟ هل تريدين ان اسلخ كل خلية ظاهرة من جلدك؟
انكمشت.. كان جسمها النحيل يبدو اكثر هشاشة بذلك الفستان الرقيق.. اهتزت مع حركتها سلسلتها الذهبية التي تتدلى منها الماسة صغيرة..
قالت بهدوء: لم ار انه عارٍ.. لا يوجد عندي مايغطي اكثر من هذا..
قطب حاجبيه.. حك ذقنه بعصبية.. كانت تعرف انه متوتر.. يحدث هذا دائما قبل مقابلة عائلته..
تحركت نحوه عارفة ان عليها تهدئته اذا ارادت الحفاظ على نفسها.. قالت بلطف وهي تضع كفيها على صدره: هل اربطها لك؟
بلع ريقه.. رائحة عطرها قبلت انفه بخفة..
تحمحم: نعم.
سحبت نفسًا وربطتها له بحركات هادئة.. راقب حركة اصابعها الرقيقة.. اسمه يحيط ببنصرها.. هذا كان يرضيه..
شدت الربطة بخفة.. امسك بمعصمها قبل أن تفلته.. ضغط عليه.. قطبت حاجبيها بألم.. قال بهدوء: ساحذرك لاخر مرة. لا اريد ان ارى منكِ شيئا واحدا يزعجني خلال الحفل. هل هذا واضح؟
حاولت سحب يدها فضغط عليها اكثر واكثر..: لا اريد ان اراكِ تتحدثين مع أحد دون إذني. لن تنطقي بحرف الا بإذني اليوم. لن تتنفسي الا بإذني.. وإن فعلتِ، لو نطقتِ بكلمة دون اذني فسأكسر هاتين اليدين وساقطع هذا اللسان اللعين.. مفهوم؟؟
كانت تشعر بالم شديد في بطنها اثر الرعب الذي يحب اصابتها به.. ناهيك عن ألم معصمها.. كانت ترتجف اثر سماعها هذه النبرة المتوحشة مجددا.. همست: فهمت.
ضغط اكثر واكثر وهو يلويه: انتِ لي وحدي.. تفهمين؟ في ذلك الحفل، انا الشخص الوحيد الذي تعنينه ويعبأ بكِ.. لن اراكِ تتصرفين بعكس ذلك..
وضعت كفها الحرة على كفه وتمتمت بصوت مجهد: لقد فهمت.. تؤلمني..
رن جرس الباب.. افلت يدها دافعا اياها بخشونة وقال وهو يتحرك للخارج: المربية..
دلكت معصمها بألم شديد وهي تتنفس بحدة.. جلست بإنهاك ودفنت وجهها بين كفيها وسحبت عدة أنفاس عميقة محاولة أن تهدأ.. سمعت صوته خلال حديثه مع المربية يقترب.. سحبت نفسا اخيرا ونهضت.. ابتسمت ببرودة حين دخلا.. صافحت المربية وقضت وقتا تشرح لها كل تفصيلة يحتاجها فارس.. تأملها يوسف وهي توصيها مئة وصية وتدقق على التفاصيل بحرص شديد.. خرجا بعد ذلك بصمت كامل للسيارة.. لم ينطق اي منهما بحرف حتى وصلا..
اوقف السيارة في المكان المخصص له في بيت والده.. خرج والتف.. فتح لها الباب ومد يده بهدوء.. ناولته يدها وخرجت من السيارة بخفة.. احنى ذراعه فعانقتها بذراعها وسارا نحو باب القصر.. انطلقت اضواء الكاميرات.. وبعض الاسئلة.. اجابا بعضها قبل ان ينسحبا.. كانا يبدوان زوجا متفاهما وسعيدا..
دخلا.. قابلا والده في بداية الامر.. سار كل شيء بسلاسة لكثرة الناس حولهما.. وقفا مع مجموعة من الضيوف، يحتسيان شرابا ويناقشان المواضيع الجارية..
كان يحيط خصرها بيده وهو ينخرط في النقاش.. وكالعادة.. كانت عضوا فعالا بقدر ما يحب.. لا تشارك اكثر مما يجب، وفي الوقت نفسه لم تكن صامتة ومنطوية.. كانت تتحدث متى كان ذلك مطلوبا.
كانت تشعر بالضغط عليها يزيد اكثر كلما مر الوقت.. وكأن هذه الجدران ستنطبق عليها.. وموسيقى البيانو الخفيفة بدت وكأنها ستفجر اذنها..
همست له: ساخرج الى الشرفة قليلا.. ساختنق..
حدق بها وعرف كم هي مجهدة، يعرفها جيدا.. رأى التعب في ملامحها.. همس..: لا تتأخري.
انسلت من بين يديه وخرجت الى الشرفة المطلة على حديقة القصر الهائلة.. صار الضجيج اخف وهب عليها نسيم الليل البارد.. سحبت نفسا عميقا واتكأت على سور الشرفة بتعب..
مرت عدة دقائق شعرت انها تماسكت بعض الشيء خلالها..
التفتت بهدوء حين سمعت صوتا لا تعرفه..: عذرا.. الستِ منال؟
قالت بهدوء: بلى.. مع من اتحدث؟
كان شابا بهي الطلعة.. يبدو اصغر منها.. مرر يده على جبينه بتوتر..: اممم.. انا.. -سحب نفسا- اظننا نتشارك ابا واحدا..
بلعت ريقها بتوتر.. ياله من توقيت سيء، سيقتلها يوسف.. استجمعت نفسها قالت بلا مبالاة: اهلا..
مد يده ليصافحها.. صافحته.. ثم قالت بابتسامة هادئة: فرصة سعيدة.. اعتذر منك الآن..
تبعها بخفة: لحظة واحدة..
التفتت بقلق..: اريد ان نتكلم في بعض الامور، لو لم تكوني تمانعين.
زفرت وهي تشعر انها ستنفجر من القلق: لاحقا، انا منشغلة.
ابتسم موافقا.. دخلت تسير بخطوات هادئة رغم انها كانت تريد ان تطير قبل ان يكلمها احد اخر.. تساءلت لماذا فرد من عائلة أبيها قد يكون موجودا في بيت عدوه اللدود، والد يوسف.
قابلت عدة معارف ممن كانت تجمعهم مثل هذه المناسبات في السابق وتحادثت معهم.. شعرت بالغثيان من محيط المجاملات الذي غرقت وسطه..
وصلت اخيرا حيث كانا.. قطبت حاجبيها حين رأت هناك اباه وزوجته... وبعض من اخوة يوسف الذين تعرفهم..انها تعرف ان هذا وضع سيء بالنسبة له، لقد اجتمعوا عليه..
ضغطت على كفها وتقدمت بثبات.. التفت يوسف اليها.. ابتسم طرف ابتسامة وهو يحيط خصرها بيده.. حيتهم بصوت هادئ.. قال والده بابتسامة لاحظت انها طبيعية، لاخبث فيها: كيف حالك يامنال؟
ارتبكت، فهي لاتعرف هل يدخل والده في نطاق المحظورات أم لا.. قال يوسف بهدوء: انها بخير.. لن تتكلم معك..
قطب والده حاجبيه: هذا مثير للاهتمام.. الن تتكلمي؟ -نظر الى يوسف- كعادتك، انت متسلط ومريض لدرجة أن تمنع زوجتك علنا عن الكلام معي..
شعرت انها ستصرخ حين ضغط على خصرها بقوة..
قالت سارة متضايقة: توقف يا ابي.. لماذا تفعل هذا..
عارضتها اخته الاخرى وهي ترمق يوسف الذي ابتسم ببرود: لم يقل شيئا خاطئا!
احتدت سارة: الست تقولين ذلك لأنك لم تكلمي يوسف إلا مرات معدودة في حياتك ياترى؟
علقت زوجة ابيه لاول مرة: كلا.. انك مريض منذ طفولتك يايوسف.. -نظرت اليه ببرود- الم تكن كذلك؟
قال يوسف بهدوء وسكينة: بحسب ما اذكر، لقد كنت المعافى الوحيد..
تدخل والده: ان زواجكما لا منطق فيه.. ويمكننا اثبات هذا للمحكمة.. الا يهمك هذا يا منال؟
خفف ضغطه على خصرها.. فهمت فورا انه يسمح لها بالكلام.. قالت بهدوء: كلا، انه لايهمني.
ابتسم ابوه: بل انه يهمك.. ولكن هذا المخلوق يضغط عليكِ ويجبرك.. انه يستغل مركزه السياسي وماله كي يمنع حريتك.
اجابت بابتسامة باردة: هذه افتراضات جريئة من رجل يفشل في مهمته الاساسية، ان يكون ابًا.
كانت تشمئز من ابيه.. صحيح انه ساعدها عدة مرات، ولكنها تعرف انه فعل هذا لاجل مصلحته.. انها تعرف انه من حول يوسف الى هذا المخلوق المجنون.. انه ليس الا النسخة الابشع والاسوأ من يوسف.
قال يوسف ببرود: اني ومنال، وكل شخص في هذا المكان يعرف جيدا ان منال معي.. وانها لي قبل ان تكون زوجتي.. ومحاولة اي شخص لمعارضة هذا ستضره كثيرا.. ارجو ان يأخذ الجميع قولي هذا بجدية.
سحبها يوسف بعد ان القى كلمته بضيق.. اكملا الليلة بتثاقل.. خرجا في الليل المتاخر وكل منهما قد انتهت طاقته تماما..
ركبا السيارة بصمت.. حرك خارج المنزل ثم اوقف السيارة بعد ان ابتعد مسافة كافية.. اسند رأسه الى الخلف واغمض عينيه بتعب..
قالت بحذر: هل انت بخير؟ لماذا توقفت؟
غمغم: لقد كانت ليلة من جهنم..
تنهدت..: كانت كذلك..
فرك عينيه بتعب شديد..: اتصلي بالسائق.. لا اريد ان اقود..
قالت بتردد: يمكنني ان افعل..
التفت اليها بحدة.. هذا ممنوع.. وهي تعلم ذلك.. لقد حرص دائما على منعها من القيادة لأنه يعرف ان حرية التنقل تتبعها حريات كثيرة، ورغم انها تملك رخصة قيادة بالفعل. قال بقرف: لولا انني لا طاقة لدي.. لكنتِ دفعت ثمن هذه الكلمة بصفعات ستسقط اسنانك!
سكتت بقرف هي الاخرى.. لا تجرؤ الآن على النقاش.. لا يمكنها ان تسأل ما هي الجريمة كي تستحق كل هذا؟
رفعت الهاتف واتصلت بالسائق.. ركبا في الخلف واوصلهما للمنزل.. اطمأنت على فارس.. بدلا ثيابهما.. نام مرتديا الشورت فقط، ضمها الى حضنه اقرب من عادته واشد، وناما.
__
افاق صباحا وهو يشعر بالهدوء.. وببعض الكسل.. بعد أن اغتسل سمع صوت فارس.. اغمض عينيه بملل وتحرك ليوقظها مستغربا انها لم تشعر بحركته.. توقف بجوارها.. بلع ريقه..
كانت نائمة بعمق.. ملامحها هادئة جدا وآمنة رغم تقطيبتها الخفيفة.. معصمها مزرق اثر ضغطه بالامس.. حك ذقنه.. انها لا تنام جيدا.. لا يستطيع ايقاظها الآن..
خرج من الغرفة واغلق الباب والنور.. ذهب الى فارس.. كان فارس يبكي بسريره حانقا.. زفر يوسف وقال بغيظ: ماذا تريد؟
ارتفع صوته اكثر.. زفر وحمله بتوتر وهو يحاول ابعاده عنه قدر الامكان.. هزه وهو يتصل بالمربية.. طلب منها ان تاتي فورا.. ثم تحرك باحثا عن الحليب..
: حسنا.. اهدأ.. كيف تعد هذا لك امك..
قرأ التعليمات على علبة الحليب وجهزه.. وضعه في فمه فهدأ مباشرة واخذ يرضع بنهم..
خفق قلبه بسرعة حين شعر باسترخاء جسم فارس عليه.. بملامحه المطمئنة لوجود الطعام اخيرا..
مشى بعصبية وهو يرفع عينيه عنه.. هذه اول مرة يحمله فيها.. وضعه في سريره بعد ان نام وخرج من الغرفة متناسيا الشعور الغريب الذي داهمه..
__
افاقت بعد عدة ساعات.. رمشت عدة مرات قبل ان تفتح عينيها عن اخرها حين لاحظت ان النافذة مظلمة.. هل نامت حتى الليل؟ فارس؟
نهضت من سريرها بسرعة.. القت نظرة على الساعة وخرجت بقلق ذاهبة الى غرفتها..
: هنا يا منال..
قطبت حاجبيها عندما سمعت صوته القادم من الصالة.. ذهبت بخطوات سريعة..
كان جالسا هناك منشغلا بجهازه.. والمربية على كنبة اخرى وفي حضنها فارس تلاعبه..
تحركت نحوها بلهفة ونظرت اليه.. ابتسمت بحنان وتناولته منها وهي تحييها..
استرخى يوسف في جلسته وتأملها بتركيز.. تأمل ابتسامتها التي لم يرها ابدا قبل ان يولد فارس.. اسرعت نبضاته حين رآها تهمس لفارس بشيء ما وهي تمسح على وجنته.. كانت تبدو حنونة.. وبالنسبة له.. ساحرة!
شكرت المربية واخبرتها ان باستطاعتها الذهاب.. وضعت فارس بحرص وذهبت الى دورة المياه وبدلت ثيابها..
عندما عادت كانت المربية قد ذهبت.. ووقتها علقت عيناها بعينيه مع دخولها الى الصالة.. كانت قلقة.. ان نومها الطويل هذا قد اغضبه دون شك..
قالت بهدوء: مساء الخير..
نظر اليها ببرود وهو يعبث بالقلم في يده ولم يجبها.. زفرت: لا تنظر الي هكذا.. لم لم توقظني!
قال بحدة: منذ متى كانت وظيفتي ان اكون ساعتك المنبهة؟
: لم يقل احد شيئا كهذا! لقد كنت متعبة و...
قاطعها بهدوء: حسنا، لابأس. كان يجب أن ترتاحي..
تنهدت..: هل رضع فارس؟
قال بلا مبالاة: أعتقد ذلك؟
نظرت اليه بضيق وتحركت ذاهبة الى فارس المنشغل بلعبة في يده..
: دعيه.. اعدي لي شايا وتعالي..
اطاعت بصمت.. عادت بالشاي لكليهما.. طبطب على الكنبة بجانبه آمرا: اجلسي.
فركت كفيها وجلست بجانبه مركية ظهرها على يد الكنبة كالعادة.. لم يكن فوقها الا فستان منزلي قصير.. ترك جهازه واقترب منها.. حدق في عينيها ومرر يده داخل الفستان.. صاعدا من ساقها الى فخذها.. قال بجدية: هل حصل شيء بالأمس لم تقوليه لي؟
قلقت.. لم تسنح لها الفرصة لإخباره.. قالت بصوت معتذر: ا.. لم يأت وقتٌ مناسب..
دلك فخذها وقال بصوت اقسى بعض الشيء: ماذا قلت لك قبل ان نذهب؟؟
سحبت نفسا: لقد فعلت ما طلبته مني.. لقد اعتذرت له وتركته وعدت.. وأنت تعرف ذلك!
: ماذا اراد منكِ؟
: قال انه يريد الكلام معي.. اجبته بأن هذا الوقت لا يناسبني وانصرفت..
سحب يده عنها وهو يرمقها بعدم ارتياح.. اقترب بجسمه كاملا منها.. اغمضت عينيها بضيق حين امسك شعرها بقبضته ببعض القوة.. قال بجدية: افتحي عينيك يا منال..
تنفست بحدة وفتحت عينيها.. زاد ضغطه عليها وقربها منه.. حدق بعينيها وقال بصرامة: سأقول هذا مرة واحدة يا منال.. مرة واحدة.. مهما كان الذي يظهر في وجهك من المدعوين عائلتكِ.. انك لن تسمحي له بالاقتراب منكِ.. انني عائلتك الوحيدة يا منال.. الآن وغدا وحتى تموتي.. هل تفهمين ما اقول؟ سواء كان اباك او الابله اخاكِ او ايا كان.. انني العلاقة العائلية الوحيدة التي يسمح لكِ بالحصول عليها.. ولن يكون لكِ عائلة سواي.. هل كلامي واضح؟ -شد اكثر- هل تفهمينه جيدا وتستوعبين خطورة مخالفته؟؟؟
كانت ترتجف وتحاول اخفاء ذلك.. هي تعي جنونه هذا وتعرفه.. انه يجعلها تعيش في وحدة سوداء.. وتحقق هدفه من ذلك.. صار هو ملجأها وشخصها الوحيد..
قالت بهمس: فهمت.. اتركني..
ضغط عليها اكثر وغمغم: من عائلتكِ الوحيدة يا منال؟؟؟
احتدت انفاسها: كلانا نعرف انه انت.. دعني وشأني..
افلتها بخشونة.. قالت بضيق: الم يكن بامكانك ان تقول هذا دون ان تلمسني؟ انني انسان يا يوسف.. يمكنني ان افهم بالكلام فقط!
اعتدل في جلسته محاولا السيطرة على نفسه: انا حر، ولستِ كذلك.
: إنك تريد دمية.. لا إنسانا يعيش معك.. في هذه الحالة سيكون استبدالي سهلا.. إن وجودي أنا يعني وجود رأيي وتصرفاتي وكلامي.. عليك أن تفهم هذا!
حدق بها طويلا.. سكت.. بالطبع انها محقة..
تابعت بضيق: ثم.. علينا ان نتكلم بخصوص الجنس! كيف تضمن ان لا يتكرر ما حصل مع فارس مرة اخرى!
قال بجدية: لن يحصل قبل مدة طويلة من الان..
قطبت حاجبيها: كيف ت.... -سكتت لحظات- ماذا جعلتهم يفعلون بي!
: عملية بسيطة بعد ولادتكِ..
زفرت بتعب شديد.. لقد اجريت عملية على جسدها.. جسدها هي.. وهي لم تعرف اصلا.. يالها من مرحلة مضحكة وصلها لها جنون يوسف..
: الم تفكر انه يفترض بي معرفة ذلك؟
: لم يأت وقت مناسب..
غمغمت: أعني قبل أن تفعله أصلا!
قال بعصبية: اخرسي وتوقفي عن مناقشتي.. لقد بدأت أنزعج فعلا..
سكتت.. مرت فترة قصيرة قبل ان تتكلم مجددا: هل فكرت بمراجعة طبيب بشأن السعار الجنسي الذي تعيشه؟
وضع كوب الشاي بقوة على الطاولة والتفت اليها قائلا بخشونة: لقد تساهلت معكِ كثيرا على مايبدو!
تنهدت وقالت بهدوء: حسنا.. -نهضت- سآخذ فارس إلى سريره..
حدق بها وهي تبتعد متضايقا.. السعار الجنسي اذا.. هذا ليس بعيدا عنه.. ولكن هذا ليس بيده.. ولم يكن يوما بيده..
قبل ان يغتصبها للمرة الاولى.. كان من النادر ان يعود الى المنزل وحده.. كثيرا ما عاد وفي حضنه امرأة او امرأتان.. وكثيرا ما لم يعد اصلا..
ان هذا مرض متأصل في داخله منذ زمن.. وراجع لأحداث في طفولته لا يسمح لنفسه بالتفكير بها.. زفر حين تذكر حالتها بعد اغتصابه لها.. اعتصامها في السرير لأيام طوال.. وجهها الاصفر وتوقفها عن الكلام والأكل..
=
: لقد طال الأمر كثيرا! ستذهبين إلى المدرسة اليوم!
كانت منكمشة تحت لحافها وظهرها باتجاهه.. لم تنطق ولم تتحرك..
تحرك ليسحب الغطاء من فوقها.. ما ان مد يده باتجاهها ولمسها حتى تلون وجهها.. اصفر وحاولت ان تنطق فلم تستطع.. غرقت عيناها وغارت وانتفض جسمها بأكمله قبل ان تفقد وعيها..
تنهد بضيق شديد.. مجرد وجوده قربها يجعلها في حالة هستيرية ثم يفقدها وعيها.. هي لم تنطق بحرف واحد منذ ماحصل ذلك اليوم..لم تعد تتكلم أبدا.. لم تضع عينيها في عينيه ولم يحصل بينهما اي شكل من اشكال التواصل..
لم يكن يعرف كيف سيحل هذه المشكلة.. هو لايعرف كيف سيصلح ما اتلفه.. جرب الرقة وجرب القسوة.. وبقي امامه حل واحد..
بعد عدة ايام كان يدخل عليها مجددا.. كانت جالسة في زاوية السرير ضامة ساقيها المثنيتين اليها.. انكمشت على نفسها حين دخل وارتجفت.. سار حتى وصل اليها بوجهه البارد.. سمع اصطكاك اسنانها.. وراقب اظافرها تنغرس في جلدها.. ضغط على نفسه وتحرك وسحبها من عضدها بقسوة ليرميها على ظهرها..
اصفر وجهها وقاومته بجنون.. لحظات وانغلقت عيناها فاقدة الوعي.. كان يتوقع ذلك.. سكب عليها ماء بحركة سريعة.. افاقت وهي تشهق برعب.. وباسرع ما يمكنه انحنى فوقها ومزق ملابسها السفلية دون انتظار.. لحظتها ارتخت تماما بين يديه.. لم تكن خارج وعيها.. ولكنها لم تقاومه ابدا.. كانت مرمية وكأنها نائمة.. انهى ما يريده منها دون عنف.. رمى البطانية عليها.. رفع بنطاله من وسط انفاسه السريعة.. وضع كفيه على وجنتيها.. قال بهدوء: سيتكرر هذا حتى تقبليه وتتخطيه..
افلتها.. قبل جبينها وخرج..
لن ينسى هو ولن تنسى هي انها بقيت عاما كاملا لا تتكلم بعد ان حدث لها كل هذا..
=
اغمض عينيه بضيق.. انه ليس سعيدا ولا فخورا بما فعله.. يتمنى ان يعود بالزمن ويتراجع.. لكن الاوان قد فات.. ولم يعد باستطاعته ان يمنع نفسه.. فهو يعشقها.. يعشق كل ذرة منها.. ومنع نفسه عنها اشبه بالمستحيل..
__
فتحت عينيها على اتساعهما حين سمعت تمتمة تعلو شيئا فشيئا.. حولت عينيها عليه.. كان وجهه متعرقا ومنزعجا وهو يهلوس.. تنهدت.. ليس من النادر ان يعاني من كوابيس.. بل ان هذا يتكرر كثيرا.. لكنها لا تكون بهذه الشدة.. غالبا تصحو على شهقته وجلسته السريعة الفزعة.. وتتظاهر انها لم تشعر بشيء.. يدفن نفسه هو في حضنها ويجاهد كي ينام مجددا.. لكنه هذه المرة يتكلم.. صوته يرتفع ويشتد.. وجسمه مشدود لأقصى درجة.. تأملته بتفكير.. هي تعرف انه يعاني.. في كل لحظة من حياته يعاني ويحارب.. ولهذا هي ليست مهتمة بزيادة هذا.. هي تعرف انه لن يكون سعيدا ابدا.. الان او لاحقا.. هي تعرف ان حياته جحيم، وهذا كان يرضيها.
بدأت انفاسه تتسارع وتتحول الى شهقات.. انه يجاهد كي يتنفس.. بدأت هلوساته تتحول الى استنجاد..  اغمضت عينيها بانزعاج.. لحظات وشهق بأعلى صوته وجلس بحركة سريعة.. بقي جالسا لدقائق يتنفس بحدة شديدة ويرتجف محدقا امامه دون حركة.. استغرق وقتا طويلا حتى هدأ..
أسند رأسه على ظهر السرير وهو شبه جالس.. قال بصوت متعب: احضري الحقنة. وماء.
لم تنطق.. كرر بصوت خافت لاطاقة فيه: اعرف انك لست نائمة.. جهزي الحقنة. لا اريد ان ارتكب بك جريمة.
جرت نفسها جالسة.. قالت بصوت هادئ: لا تهددني ولا تعاملني هكذا.. انك بحاجتي..
حدق بها بطرف عينه.. اغمض ولم ينطق.. نهضت من مكانها واتته بالحقنة وبكوب ماء.. تجرعه دفعة واحدة مع حبتي مهدئ.. وضعت له وسادة فرمى فوقها ذراعه.. كان اهدأ قليلا الا ان انفاسه لازالت مضطربة بعض الشيء.. وفي يده رجفة خفيفة.. ووجهه رطب ومرهق.. حقنته بهدوء ودلكت مكان الحقنة.. كانت تعرف مزاجه هذا.. انه ينتهي بالجنس.. لم تكن تملك طاقة لهذا.. فعليا لم تكن تستطيع.. عليها الهاؤه.. قالت بهدوء: ماذا رأيت؟
خفض عينيه عليها.. سكت للحظات.. ابتسم ابتسامة ساخرة بالكاد ترى: لن المسكِ..
سكتت.. انها سهلة الفهم بالنسبة له.. تنهدت براحة واستلقت مجددا..
مرت فترة صمت.. قال بصوت هادئ: ماذا ستكون لو كانت لكِ امنية واحدة؟
قالت ببرود محدقة في السقف: ليست لي امانٍ..
سكت..: ان تتخلصي مني؟
: لا يهمني ذلك..
كان هذا غريبا..: لماذا؟
: لقد فعلتَ كل ما يمكن فعله.. لا فرق بعد الان..
بلع ريقه بصدمة.. هي تقول انه افسد حياتها كلها سواء وجد في بقيتها ام لم يوجد!
: هذا ليس صحيحا..
قالت بسخرية: من الظريف ان تقرر عني حتى هذا..
تنهد.. قطبت حاجبيها حين تحرك وانحنى مستلقيا فوقها ليواجهها.. ركز عينيه في عينيها.. مرر يده على شعرها وملامحها وهو يتأملها بصمت.. كان كل منهما يشعر بنبضات قلب الاخر من خلال تلامس جسديهما.. همس: لا تعرفين نفسكِ كما أعرفها.. صدقيني..
مررت كفها بخفة على شعره ثم على وجنته.. بلع ريقه.. تعرف كيف تؤثر عليه.. لم تكن تستطيع انكار معرفته بها.. ان الالم الذي عرضها له.. ووضعه لها تحت ابشع المواقف جعلها تظهر كثيرا على حقيقتها المجردة امامه..
قالت بهدوء: وهل تعرف نفسك كما اعرفها؟
كان ابهامه يدلك وجنتها.. وبصوت حنون لا تسمعه منه: لو كنتِ تعرفين ماذا تعنين لي لقلت انك تعرفينني اكثر مني..
اضطربت.. امسكت بذراعه محاولة ابعاده وهمست: لا تعاملني هكذا..
سحب نفسه عنها بخفة ثم استلقى على ظهره مرخيا رأسه على كتفها.. لم يكن بحاجة للكلام.. مررت يدها في شعره.. أمسك بكفها يعبث بها بين كفيه..: عليكِ ان تفهمي ان اباكِ لم يعد يهمني.. اعني.. لستِ مرتبطة به بالنسبة لي.. انكِ لم تعودي وسيلة.. هل تفهمين هذا؟
قالت بملل: هذا هراء يايوسف.. لقد استعملتني في كل مرة التقينا فيها به..
تنهد: لقد فعلت.. كي اثبت له انكِ عائدة لي.. كي ابعده عنكِ.. هذا ليس استعمالا.. تفهمين ما اعني؟
قالت بملل: انني لا اهتم بمصدره طالما هو يؤذيني.. انك تحرص على فعل كل ما يؤذيني يا يوسف.. دوافعك لا تغير شيئا..
سكت للحظات.. ثم بين أصابعه عصر طرف سبابتها.. ضغطت على اسنانها بالم.. قال بهدوء: لأنكِ لي.. لأني لا اريد ان افقدكِ..
قالت بصوت هادئ لا ينم عن المها: لقد فقدتني منذ زمن بعيد يا يوسف..
ضغط ضغطة اخيرة وافلتها.. رمى نفسه بجانبها.. لف ذراعه حول خصرها ونام..
__

يومٌ لا نهايةَ لهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن